بقلم الأستاذ حميد طولست
في خضم التحولات الكبرى التي يشهدها المغرب، خصوصاً على المستويات
الاقتصادية والاستراتيجية، برزت في الآونة الأخيرة تحركات إعلامية وشعبوية، تقودها
جماعة متماهية إيديولوجيًا مع تيارات الإسلام السياسي العابرة للحدود، مدعومة
بتنسيقات يسارية مألوفة، تُقدَّم على أنها "نُصرة للقضية الفلسطينية".
غير أن التوقيت، والسياق، واللغة المستعملة، تطرح أكثر من علامة استفهام حول
النوايا الحقيقية وراء هذه التحركات، التي تتزامن بشكل لافت مع محطات حاسمة في
مسار الإصلاح والبناء الوطني.
إن ما تسوّق له هذه الجماعة على أنه دفاع عن القضية الفلسطينية، لا يبدو
بريئًا أو معزولاً عن سياق إقليمي أكثر تعقيدًا؛ بل إن استحضار فلسطين في هذا
السياق يبدو أقرب إلى توظيف "قميص عثمان"، لا سيما حين يُستعمل كغطاء
لإضعاف الاستحقاقات الاقتصادية المغربية، وعلى رأسها المشاريع الاستراتيجية مثل ميناء
الداخلة الأطلسي، وطنجة المتوسط، الذي تحول إلى رمز للتجربة الاقتصادية الحديثة
تحت قيادة الملك محمد السادس.
الخطاب الموجه لا يخلو من ما يمكن وصفه بـ"السيولة الثقافية للمال
السياسي"، الذي تتقاطع فيه مصالح أطراف خارجية، أبرزها قطر، إيران، والجزائر،
والتي تجد في حرب الموانئ والغاز ساحة جديدة لفرض توازنات تخدم مصالحها
الجيوسياسية، حتى وإن جاء ذلك على حساب استقرار المغرب. هذا المال الإخواني العابر
للقارات، الذي يمرّ عبر قنوات ناعمة أحياناً، وإعلامية وشعبوية أحياناً أخرى، يجد
في الجماعة – الإيديولوجية ومن يلتفون
حولها من تيارات يسارية "يتيمة" بيئة حاضنة للضغط والتشويش.
من اللافت في هذا المشهد، هو ذلك التحالف غير المعلن بين بعض فصائل اليسار
الراديكالي وجماعة العدل والإحسان، رغم التناقض الإيديولوجي الصارخ بينهما. هذا
التقارب الذي بدأ تحت عناوين "المشترك النضالي"، تحول اليوم إلى تبعية
سياسية وفكرية، تُستعمل فيها القضية الفلسطينية كجسر لتصفية حسابات داخلية، وعرقلة
كل دينامية وطنية لا تمر عبر "مرجعياتهم الخاصة".
إن ما يغيب عن هؤلاء وتابعيهم هو أن المغرب اليوم يخوض معركة من نوع مختلف،
عنوانها التحرر الاقتصادي والسيادة الوطنية، ويضع رهاناته على مشاريع استراتيجية،
تحظى بإجماع داخلي وتقدير خارجي، وتُؤسس لتحول جذري في تموقع المغرب على خريطة
الاقتصاد العالمي.
وليس الميناء الأطلسي، وخط أنبوب الغاز النيجيري، والتوجه الإفريقي، مجرّد مشاريع تنموية، بل ركائز لسيادة وطنية شاملة، وهو ما يُفسّر استهدافها الممنهج من طرف من يرون في صعود المغرب تهديدًا لمصالحهم في المنطقة.