adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/04/14 - 11:02 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

بقلوب يعتصرها الألم، ودروب مثقلة بالحزن، ودّع المغاربة المكونة الشابة هاجر الياعكر، التي خُطفت روحها بطعنة غادرة، في لحظة جنون لم تكن تتوقعها، على يد من كانت تسعى إلى تأهيله للحياة، من داخل أحد مراكز التكوين المهني. لم تكن جريمة قتل فقط، بل لحظة انهيار جماعي لقيم التعليم، ولأمان المدرسة، ولرسالة التكوين النبيلة التي لم تعد تحظى لا بالتقدير الاجتماعي ولا بالحماية المؤسساتية.

ما يزيد الوجع ألماً أن يوم دفنها كان يصادف عيد ميلادها الثلاثين، وكأن الحياة قررت أن تكون ذكرى ميلادها هي نفسها ذكرى رحيلها، ليبقى هذا التاريخ محفوراً في الذاكرة الجماعية كرمز للخذلان، وكمرآة لواقع مدرسي يزداد اختناقاً تحت وطأة الإهمال، والتقاعس، والعنف المتصاعد.

حادثة هاجر لم تأتِ من فراغ. إنها ليست حالة شاذة أو مأساة معزولة، بل حلقة دامية في سلسلة اعتداءات خطيرة بات رجال ونساء التعليم يتعرضون لها بشكل متزايد، داخل المؤسسات التعليمية ومراكز التكوين، دون أن تجد هذه الاعتداءات من يصغي لها، أو يضع لها حداً. فكم من أستاذ أُهين، وكم من أستاذة اعتُدي عليها، وكم من إطار تربوي عاد من عمله بكدمات في الجسد وكسور في النفس، بينما تكتفي الوزارة الوصية بالصمت، وكأن الأمر لا يعنيها، وكأن الأرواح التي تُسفك ليست من طين هذا الوطن.

رحيل هاجر يجب ألا يكون مجرد موجة حزن عابرة. إنه جرس إنذار يدقّ في وجه الجميع: المسؤولين أولاً، الذين يغضّون الطرف عن خطورة ما يحدث داخل المؤسسات التكوينية؛ والمجتمع ثانياً، الذي لم يعد يلتفت لما يعتمل في نفوس شبابه من اضطراب وانهيار قيمي؛ والوزارة التي تناست أن المهارات التقنية لا تكفي، وأن التكوين الحقيقي لا يكون إلا في بيئة متوازنة نفسياً، وآمنة إنسانياً.

إننا في حاجة ماسة إلى إعادة الروح إلى فضاءات التكوين، بأن نُدرج فيها الدعم النفسي كجزء أساسي من المنظومة، وأن نوفر الأخصائي الاجتماعي كأداة إنصات واحتواء، وأن نُؤمن بأن الأستاذ ليس فقط ناقلاً للمعرفة، بل حارس على أرواح تائهة في زمن القسوة، تستحق أن تُصغى لا أن تُهمل، أن تُحتضن لا أن تُترك فريسة للضياع.

ما حدث لهاجر هو جريمة في حق المدرسة، في حق كل مكوِّن ومكوِّنة، في حق ما تبقى من الثقة بين الأسرة والتعليم، وبين الدولة والمجتمع. وإن لم يتحول هذا الحزن إلى فعل، وهذا الغضب إلى إصلاح، فإننا نكون قد وقعنا جميعاً على شهادة وفاة الأمل في مؤسساتنا التربوية.

رحم الله هاجر، وربط على قلوب أهلها، وألهمنا جميعاً الشجاعة لنكون في مستوى فداحة هذا الرحيل.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.