adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/04/20 - 11:54 ص

إعداد: عبدالإله الوزاني التهامي

-ساد المدينة نظام مائي حضاري فريد مستوحى من الأندلس.

-زخرت مكتبة المسجد الأعظم بنفائس المخطوطات والمطبوعات إلى أن تعرضت للنهب من طرف المحتلين الإسبان ويوجد الكثير منها بالمكتبة الوطنية بمدريد

في هذه الورقة التنويرية حول مدينة شفشاون الراشدية سنكتفي ببعض المعلومات الأساسية التي من المفترض أن تكون متداولة رسميا وشعبيا، فيما سنفرد لذات المدينة مقالات أخرى تحليلية بخط تحريري مختلف تسبر أغوار قطاعات ومجالات مختلفة.

ترجح روايات تاريخية أن مدينة شفشاون  كانت فيما مضى مدينة رومانية تسمى "أيبلوم"، وكذلك أنها استقبلت  الفاتحين العرب في ترابها، منهم مولى بن نصير الذي بنى مسجدًا في قبيلة بني حسن شمال غرب شفشاون، وطارق بن زياد الذي بنى هو الآخر مسجدًا في مرتفعات الشرافات، بالقرب من أمطراس، ولا يزال يحمل اسمه إلى يومنا هذا وهو من أشهر مساجد المنطقة.

ومن المعلوم أن شفشاون أصبحت منذ الفتح الإسلامي مركزًا للجيوش الفاتحين ومركزًا عسكريًا لتجميع فرق الجيوش. ومن المعروف أن بعض الجنود من المنطقة انخرطوا في جيوش الفاتحين بقيادة طارق بن زياد، الذي عبر بهم الضفة المجاورة في عام 92 هـ / 711 م وفتح الأندلس، مما أدى إلى ازدهار حضاري عظيم ساهم فيها أهالي شفشاون وأحوازها بلمسات خاصة.

وأما في عهد الشرفاء الأدراسة فأصبحت المنطقة تحت حكم عمر بن إدريس الثاني، مؤسس جامع تندمان ببواحمد وفي نفس المنطقة دفن ولده سيدي أحمد بن عمر، وعرفت ازدهارا خاصا بحكم تعلق الأهالي بآل بيت النبي وتفانيهم في خدمة دولة الأشراف، وفيما بعد ولأسباب عانت منطقة شفشاون من نزاعات واضطرابات مختلفة، ثم تم تأسيس مدينة شفشاون تأسيسا نوعيا عام 876 هـ / 1471م على يد القائد مولاي علي بن راشد.

 فقام علي بن راشد هذا بوقف الزحف البرتغالي من جهة، ومن جهة أخرى جعل المدينة مقرًا لتوطين الأندلسيين القادمين من غرناطة بعد النكبة. أدى هذا إلى توسع عمراني ملحوظ وازدهار في الصناعات الحرفية التي جلبها الأندلسيون، لدرجة اشتهار المدينة بتلك الصنائع والحرف.

تحتضن المدينة العتيقة لشفشاون العديد من المباني والآثار التاريخية التي تعكس الطابع التاريخي الأندلسي بشكل واضح.

تقع مدينة شفشاون في أحضان جبال شاهقة، مكسوة بأشجار الشوح، ومن أبرز معالمها الطبيعية "رأس الماء"، الذي يُعد مصدرًا مهمًا لتوسع المدينة منذ تأسيسها.

أعطى مولاي علي بن راشد، مؤسس المدينة، اهتمامًا خاصًا للمياه، حيث جند المتخصصين لإقامة شبكة مائية لتوزيع مياه الشرب على المنازل، هذه الشبكة كانت تتكون من أنابيب فخارية بأحجام مختلفة تمر عبر قنوات وسواقي، وتنقل المياه إلى كافة المنازل في المدينة.

وتجدر الإشارة إلى أن المنازل القديمة كانت تحتوي على نافورات مائية حائطية تُسمى "المعدة"، والتي كانت تتغذى من هذه الشبكة المائية، وقد مثل هذا النظام المائي رمزًا حضاريًا فريدًا، يُعتبر مرجعًا للنظام المائي الذي كان سائدًا في الأندلس.

ولا تزال بعض قنوات السقي في المدينة العتيقة موجودة حتى الآن، على الرغم من أن وظيفتها قد تعطلت في بعض المنازل.

هذا، وعلى جنبات مصب رأس الماء، كان يوجد عدد وافر من المطاحن التقليدية التي كانت تُشغل بالدفع المائي، بلغ عددها ثلاثة عشر طاحونة، ولم يتبقَّ منها سوى ثلاث، واحدة منها لا تزال في حالة جيدة يتمنى المهتمون بأن يعاد تشغيلها لصالح السياحة.

وفي إطار التعاون القائم بين مجلس بلدي وحكومة أندلسية، تم بناء ثلاث منصات تحتوي على مرافق لغسل الثياب والأفرشة، هذه المنصات تمثل معالم حديثة بُنيت على قالب تقليدي، مما يضيف طابعًا مميزًا إلى المعالم الأخرى الموجودة على جنبات رأس الماء.

إن هذه المعطيات، سواء الطبيعية أو المعمارية، جعلت من رأس الماء موقعًا سياحيًا متميزًا. هنا، يعانق الجبل المنبع المائي وما حوله من معالم، مما خلق فضاءً خلابًا يجذب السياح للاستمتاع بمناظره الجميلة ومياهه الصافية العذبة، وجباله الشاهقة المكسوة بالنباتات والأشجار المتنوعة التي تُظلل المكان.

وفي هذا السياق، يقول شاعر شفشاون الأستاذ عبد الكريم الطبال:

وكيف لي أن أدعي أني أفهم هذا الشيء الذي هو الفضاء الواضح الغامض، المكشوف الخفي، أو أسبر غور هذا الذي هو البيت المسقوف بالسماء والزرقة والصفاء، المفروش بسجاد النور والظل، والماء المحفوف بأجنحة العطر والغناء والحلم.

أسس مسجد المدينة  الأعظم القائد محمد بن علي بن راشد خلال القرن السادس عشر الميلادي على مساحة تبلغ 130م خضع للتجديد غير ما مرة، يتوفر على ثمانية بلاطات وصومعة ذات ثمانية أضلاع، كما يوجد به منبر قديم لا زال في حالة جيدة يرجع تاريخه إلى القرن الحادي عشر الهجري، وسقفه مغطى بالقرميد الأحمر على غرار الفن المعماري الأندلسي.

كان المسجد الأعظم يتوفر على مدرسة بجانبها سكنى للطلبة فكان قبلة لطالبي العلم من ساكنة المدينة والقبائل والأحواز المرتبطة بها، إذ كانوا يكونون حلقات الدرس حول كبار العلماء المدرسين حيث تخرجت منها أجيال كبيرة من العلماء، إضافة إلى ذلك فكان المسجد الأعظم يتوفر على خزانة هامة فريدة من نوعها تحتوي على نفائس الكتب والمخطوطات القيمة أهمها مخطوط "صحيح البخاري".

وقد أغنت هذه المؤلفات المكتبة العربية والإسلامية بالموسوعات العلمية.

وهكذا فإن المسجد الأعظم بمدرسته وخزانة كتبه لعب دورا طلائعيا في ازدهار الثقافة والعلوم الدينية والفقهية واللغوية. ومن حيث تجهيزها فقد ساهم السكان في تزويدها بالكتب والمخطوطات واتخذوا قاعدتين في ذلك، أولها: أن يوصي العالم بكتبه لأولاده الذكور، فإن انقرضوا صارت حبسا على خزانة الجامع الأعظم.

ثانيها: إذا توفي عالم دون أن يخلف ولدا مثقفا، تصبح كتبه مباشرة ملكا لخزانة المسجد الأعظم.

وهكذا استمرت مكتبة المسجد الأعظم في إغناء مستمر من طرف السكان بنفائس المخطوطات حتى أوائل القرن العشرين، حيث ستتعرض للنهب من طرف المحتلين الإسبان الذين استولوا على نفائسها، ويوجد الكثير منها حاليا بالمكتبة الوطنية بمدريد.

تعتبر ساحة وطاء الحمام قطب المدينة التاريخي والسياحي وهي من أشهر وأقدم ساحات المدينة، تم إحداثها بموازاة مع تاريخ تأسيس مدينة شفشاون سنة 1471م وتعتبر امتدادا لدار المخزن أي (القصبة).

وبعد انتهاء ابن راشد من بناء التحصينات اللآزمة للمدينة شعر الناس بالاستقرار والاطمئنان على نفوسهم وأسرهم وأموالهم، فكان ذلك عاملا هاما في ازدهار حركة العمران بها، ولكن نمو المدينة خلال القرن العشرين ساهم في اندثار جزء كبير من هذه الأسوار، إلا أن الأبواب المحيطة بها لازالت قائمة شاهدة على تلك الحقبة.

 وحسب بعض الروايات التاريخية فإن هذه الأبواب كانت تغلق بعد صلاة العشاء وتقام الحراسة الليلية عبر مداخلها وخارجها خصوصا في أوقات الفتن.

 وهذه الأبواب هي كالتالي :

*-"باب العين"، وسميت بهذا الإسم نظرا لتوجود عين مائية كانت ملتصقة بالجدار الخلفي للباب.

*-"باب الحمار"،  وسميت بهذا الإسم باعتبارها البوابة الرئيسية  لانطلاق القوافل التجارية من مدينة شفشاون إلى مختلف المدن المغربية، و"الحمار" مصطلح يعني مهنة تجارية تقليدية عرفها سكان مدينة شفشاون منذ القدم، حيث كانت تشكل قوافل من الدواب يتم عن طريقها تصدير وجلب البضائع والسلع من مختلف المدن والجهات المغربية.

أصبحت فيما بعد سوقا أسبوعيا وفضاء للتنشيط الفلكلوري تعقد فيه الحلقات الشعبية على غرار ساحة الفناء بمراكش.

الساحة حاليا فضاء جميل توجد على جنباتها المقاهي والمطاعم التي تحتل حيزا هاما بها، وذلك في نظام بديع متناسق، كما توجد بوسطها نافورة مائية عتيقة تتوسطها شجرة شاهقة ضاربة في عمق الزمان.

ومما يزيد هذه الساحة رونقا ووقارا سور القصبة المحيط بها والأبواب المتفرعة عنه، وكذا فضاؤها المفتوح على المآثر الدينية القديمة كالزاوية القادرية والناصرية والريسونية، والمنازل المطلة عليها ذات الشكل المعماري الأندلسي، تعانقها صومعة المسجد الأعظم المثمنة الأضلاع.

تعتبر ساحة وطاء الحمام قبلة للسائحين من مختلف أرجاء المعمور يقصدونها للاستمتاع بفضائها الساحر والجلوس برحابها لاحتساء كؤوس الشاي عند المساء تحت أضواء الشموع الخافتة، لدرجة يتخيل للرائي أن هؤلاء السياح على اختلاف جنسياتهم هم على موعد لإحياء حفل بهيج، قاسمهم المشترك الاستمتاع بجمالية المكان والخلود إلى الراحة والهدوء.

نكتفي بهذا القدر التعريفي بالمدينة الراشدية، الذي نشرناه بأمانة باعتباره ورقة شبه رسمية يدرك تفاصيلها السكان وبعض المعتمين.

وأما ما يجب نشره وإذاعته من سير شخصيات ورموز وحقائق وأحداث ووقائع، وكذا ما طال المدينة من تبدل وتغير في الأحوال على مستوى البنية التحتية المعمارية والبنية الذهنية للأهالي، وكذا التأثير المادي والمعنوي للسياح على إنسان ومجال المدينة.

والأجدر بالتحليل والنشر هو درجة ومستوى التفاعل التدبيري والتسييري للمسؤولين مع كل ما ذكرنا من خصوصيات ومميزات ومؤهلات المدينة.