adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/04/13 - 2:09 م

بقلم: محمد كفيل

لم أكن يوماً من المؤمنين بالاهتمام المبالغ فيه الذي تحظى به كرة القدم في بلداننا العربية. ففي حين تعاني أمتنا من تحديات جسام مثل الأمية وضعف التعليم وتراجع البحث العلمي، نجد الملايين تُنفق على ملاعب كرة القدم ورواتب اللاعبين والبطولات الكروية. لطالما رأيت في هذا إسرافاً غير مبرر، بل وأداةً لإلهاء الشعوب عن قضاياها المصيرية. 

لكن ما حدث في ملعب محمد الخامس خلال الديربي بين الرجاء والوداد قلب هذه القناعة رأساً على عقب. فالمقاطعة الجماهيرية الواسعة للمباراة أثبتت أن كرة القدم لم تعد مجرد "أفيون للشعوب" كما كنت أعتقد، بل تحولت إلى منصة للتعبير السياسي. الجماهير التي قاطعت المباراة كانت ترفض بها أكثر من مجرد قرارات كروية، كانت ترفض منطق الإقصاء والتهميش الذي تمارسه النخب في مختلف المجالات.

المشهد كان صادماً في ملعب محمد الخامس اليوم : ملعب شبه خاوٍ في أهم مباراة محلية. لكن هذا الصمت كان أبلغ من أي هتاف. الجماهير المغربية، التي عُرفت بحماسها الكروي، اختارت أن تقول "لا" بطريقة غير مسبوقة. هذه المقاطعة لم تكن مجرد احتجاج على قرارات القائمين على أمور  الكرة ببلدنا ، بل كانت رسالة سياسية بامتياز: "نحن لسنا دمى يُمكن التلاعب بها، ولا جماهير يُمكن شراؤها بتذاكر مباريات". 

هذا التحول في الوعي الجماهيري يجب أن يكون جرس إنذار للمسؤولين. فالشعوب العربية لم تعد تقبل أن تُستبدل بالكرات والصفارات عن حقوقها الأساسية. كرة القدم التي كانت تُستخدم كأداة للتلهية، أصبحت اليوم مرآة تعكس رفض الجماهير للفساد والإقصاء. 

الدرس الأهم من هذه المقاطعة هو أن أي سياسة، حتى تلك المتعلقة بالترفيه، يجب أن تُبنى على أساس المشاركة، لا الإقصاء. عندما تُهمّش الجماهير في قراراتٍ تخصّ ناديهم أو ملعبهم أو حتى تذاكر المباريات، فإنها تردّ بالمقاطعة، مُذكّرةً الجميع بأنها صاحبة الشرعية الحقيقية. 

السلطات المغربية مطالبة اليوم بقراءة هذه الرسالة بعمق: لا يمكن الاستمرار في تجاهل رغبات الجماهير، سواء في الرياضة أو في السياسة. فالشعار الذي  نؤمن به "الله، الوطن، الملك "يضع "الوطن" في القلب، والوطن ليس مجرد جغرافيا، بل هو الشعب الذي يرفض أن يُستبعد والضامن الاول لنبض هذا القلب هو جلالة الملك .

مقاطعة الديربي المغربي لم تكن حدثاً كروياً عابراً، بل كانت لحظة فارقة في علاقة الجماهير بالسلطة. لقد أثبتت أن الشعوب قادرة على تحويل حتى أدوات التلهية إلى أدوات للمقاومة. والسؤال الآن: هل سنرى هذه الرسالة تُترجم إلى سياسات أكثر شمولاً؟ أم أن الدروس ستُختزل مرة أخرى في وعود زائفة؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.

 سؤال آخر يطرح على المسؤولين فهل من مستمع 

السؤال الآن ليس لماذا قاطع الجمهور، بل ماذا سيفعل المسؤولون بهذه الرسالة؟ 

الشعوب لم تعد تُهزم بالتهليل الكروي، والجماهير تعلم أن صمتَها أخطر من ضجيجها. 

فليُدرك المسؤولون أن الشعب لم يعد يُخدع بكرة... ولا يُصمت بصافرة!