بقلم: سعيد
شبري
تشهد مدن
مغربية عدة منذ أسابيع احتجاجات أسبوعية عقب صلاة الجمعة أمام المساجد، دعت إليها
جماعة العدل والإحسان تحت شعار "التضامن مع الشعب الفلسطيني"، على خلفية
الحرب الجارية على قطاع غزة. هذه الوقفات، التي تتكرر بوتيرة منتظمة، تجاوزت في
دلالاتها الشعارات المرفوعة، لتثير أسئلة جوهرية حول طبيعة الرسائل التي تبعث بها
الجماعة، ومدى ارتباطها بسياق سياسي داخلي متحرك.
في الظاهر،
تتخذ الجماعة من التضامن مع القضية الفلسطينية مدخلاً لممارسة حقها في التعبير
والاحتجاج؛ لكن التوقيت، والمكان، والتعبئة الجماهيرية الكثيفة، تُوحي بأن الأمر
يتجاوز التضامن المبدئي. فالمساجد، بما تحمله من رمزية روحية واجتماعية، ليست مجرد
فضاءات متاحة للاحتجاج، بل أدوات لتفعيل مرجعية دينية تعزز حضور الجماعة بين شرائح
واسعة من الشعب المغربي.
يقرأ العديد
من المراقبين هذه التحركات باعتبارها رسائل موجهة إلى من "يهمهم الأمر"،
مفادها أن جماعة العدل والإحسان، رغم إقصائها المؤسسي، لا تزال القوة المعارضة
الأبرز في المشهد السياسي المغربي، والقادرة على تأطير الجماهير الغاضبة من
السياسات العمومية.
وفي ظل ما
يصفه البعض بـ"البرود السياسي" و"الفراغ في المشهد الحزبي"،
تبدو الجماعة وكأنها تُعيد تشكيل موقعها، وتذكّر الفاعلين بأنها موجودة، منظمة،
ومؤهلة للعودة.
المفارقة أن
هذه الاحتجاجات تتزامن مع حديث متزايد عن مراجعات فكرية داخل الجماعة، ربما تؤسس
لتحول نوعي في علاقاتها بالمجال السياسي الرسمي. فقد أشار تقرير لمركز الجزيرة
للدراسات إلى أن الجماعة "تواجه تحديات تتعلق بالقدرة على مواكبة التحولات
المتسارعة في المشهد السياسي المغربي، مما قد يدفعها إلى إعادة النظر في
استراتيجياتها السياسية.
وبينما تؤكد
الجماعة باستمرار التزامها بالخط السلمي الرافض للعنف، وتُصر على رؤيتها التغييرية
المجتمعية، لا تخفي تحركاتها الأخيرة طموحًا في إعادة التموضع، وربما التمهيد
للدخول في الاستحقاقات السياسية المقبلة. ويُرجح محللون أن الجماعة قد تختبر
إمكانيات الانخراط المؤسساتي، سواء بشكل مباشر أو عبر واجهات مدنية وسيطة.
ولعلّ
اعتمادها في هذه الوقفات على شعار "نصرة غزة" يحمل أكثر من بعد: أولًا،
دغدغة المشاعر الجمعية للمغاربة تجاه القضية الفلسطينية، وثانيًا، تعزيز الشرعية
الأخلاقية لتحركها، وثالثًا، تذكير الدولة والمجتمع بأنها لا تزال قوة تنظيمية لها
قدرة هائلة على الحشد والتأثير.
وقد عرفت عدة
مدن مغربية، أبرزها الرباط والدار البيضاء وطنجة وفاس، وقفات ضخمة شاركت فيها
الجماعة بشكل منظم، إلى جانب مكونات سياسية ومدنية أخرى.
في المحصلة،
لا يمكن فصل هذه الدينامية الاحتجاجية عن التحولات الجارية في بنية الجماعة
وسياقها السياسي. هي احتجاجات ذات طابع مبدئي وإنساني، دون شك؛ لكنها لا تخلو
أيضًا من رمزية استراتيجية، ومن رسائل سياسية تسعى من خلالها العدل والإحسان إلى
إعادة الاعتبار لحضورها في مشهد سياسي مغربي يبدو، في الآونة الأخيرة، وكأنه في
حالة سبات.