adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/04/12 - 11:12 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست


في ركن زاوية من زوايا المعيش المغربي، ينمو "التبرهيش" كشجيرة شوكية لا تسمن ولا تظل، لكنه يُسقَى بفيض من التعاليق، واللايفات، والبوستات، والعناوين الحمراء التي تلمع كذهب مغشوش.

"التبرهيش" ليس فقط فعل المبالغة، بل هو أيضًا البراعة في النفخ في الرماد حتى تظن أن حريقًا قد اندلع، وهو أيضًا فن تحويل اللمسة إلى إعجاز، والحركة العفوية إلى مؤامرة، والابتسامة إلى رسالة مشفرة تستدعي التحليل والترجمة!

وليست حكاية نبيل باها وابنه زياد غير فصل جديد من ملحمة للتبرهيش  التي عرفتها .مباراة لمنتخب المغرب لأقل من 17 سنة ضد جنوب إفريقيا، التي سجّل فيها زياد باها هدفًا رائعًا. فاهتز  المدرب نبيل باها، فرحًا، كما اهتزت مدرجات الجمهور، محركًا أصابع يديه بحركة فرِحة وعفوية نحو الجمهور. حركة لا تتجاوز في ظاهرها ردّة فعل مدرب متحمس.

لكن آلة التبرهيش التي لا ترحم ، بدأت سردها الأسطوري: "سلوك مستفز"، "حركة غير رياضية"، "استغلال لموقعه كأب"، "رسائل مبطنة"، "طقوس شعوذة على الهواء مباشرة"... وصولًا إلى المطالبة بتدخل رئيس الجامعة فوزي لقجع شخصيًا، وكأننا بصدد خرق دستوري أو تهديد للأمن القومي!

صحفي ما -يساري الهوى تحليلي الملامح- سأل نبيل باها السؤال الحاسم: بعين محلل نفسي محترف في قراءة لغة الجسد، عن مغزى تلك الحركة "المثيرة للجدل".: "شنو قصدك بهاد الحركة؟".فابتسم باها، بابتسامة اختصرت كل شيء، ثم قال: "كنت غير كنهلل بالجمهور باش يزيد يشجع الفريق..." وأضاف مبتسمًا: "ماشي كنت  "تنخمس" على ولدي كما قال بعض المرضى..."

لكن لماذا كل هذا التبرهيش الذي يُلبس التفاصيل العادية لباس الوقائع الجلل. حتى أنه إذا ضحك أحدهم في لحظة غير محسوبة، يصبح "كيضحك على الشعب". وإذا عطس في مؤتمر، يصبح "يرسل رسائل مشفرة إلى الخصوم". أما إذا أشار بإصبعه للمدرجات، فذاك مدعاة لتدخل جهات عليا.

في مجتمع يعشق الفرجة أكثر من المضمون، يُصبح التمهروش وقودًا يوميًا. وربما، في لاوعينا الجمعي، نحن نُهَوِّل لنمنح أنفسنا معنى، لنصنع بطولة من فراغ، ولنجعل من كل حركة بسيطة قصة تستحق البث المباشر.

نبيل باها لم يكن نبيًا، ولا كان شيطانًا. هو فقط مدرب فرح بفريقه ومن حقه كأنسان أن يفَرِحٌ بابنه. أما المتبرهشون، فقد قرروا أن يجعلوا من الفرحة جريمة، ومن الإشارة لغزًا، ومن الابتسامة مادةً للتحقيق.

أهلاً بنا في زمن التبرهيش... حيث الحقيقة لا تهم، ما دام "الفيلم زوين"!