في مشهد غير مألوف، قررت جماهير
الألتراس الغياب عن مدرجات مركب محمد الخامس بالدار البيضاء خلال مباراة الديربي
التي ستجمع جمعت بين الغريمين التقليديين الرجاء والوداد.
قرار المقاطعة الذي جاء مفاجئا للبعض،
لم يكن إلا تأكيدا جديدا على أن هذه المجموعات الجماهيرية تظل فاعلا احتجاجيا
مستقلا، يعبر عن مواقفه بعيدا عن التأثيرات السياسية أو الحسابات الظرفية.
البيان الذي نشرته مجموعة من الألتراس
المشاركة في القرار، أشار إلى "تراكمات من التجاهل الرسمي لمطالب
الجماهير"، على رأسها تحسين ظروف الولوج للملعب، ومعالجة الاختلالات
التنظيمية التي تشوب المقابلات الكبرى، إلى جانب ما وُصف بـ"الاستخفاف بصوت
الجمهور". المقاطعة إذًا لم تكن مجرد ردة فعل ظرفية، بل تعبيرًا عن موقف نابع
من قناعة جماعية بأن "الحضور لم يعد ذا معنى في ظل تجاهل صوت الجماهير".
في سياق سياسي واجتماعي يعرف تحولات
متسارعة، تعود مجموعات الألتراس لتؤكد، من خلال هذا التحرك، أنها ليست فقط كيانات
تهتف للفريق وتسهم في خلق الفرجة، بل أصبحت كذلك منصات تعبير اجتماعي ذات طابع
احتجاجي، تتبنى قضايا الشأن العام من موقعها الخاص. هذا الدور، وإن ظل محل جدل في
بعض الأوساط، يُنظر إليه من قبل آخرين كامتداد لدينامية مدنية تعيد الاعتبار لصوت
الشباب في الفضاء العام.
ويرى عدد من المتابعين أن الحركات التي
تقودها الألتراس، وإن كانت رياضية في ظاهرها، إلا أنها تلامس في كثير من الأحيان
قضايا أعمق تتعلق بالعدالة الاجتماعية، والحق في المدينة، والحريات العامة. وهو ما
يجعلها تتحول أحيانًا إلى مرآة تعكس جزءًا من المزاج الشعبي العام، وتكشف عن عمق
الهوة بين المؤسسات والمواطنين.
وفي الوقت الذي تلتزم فيه الجهات
الرسمية الصمت حيال المقاطعة، يتساءل البعض عن مدى قدرة هذه المبادرات على إحداث
تغيير فعلي في علاقة الجمهور بالمؤسسات الرياضية والأمنية، خصوصًا وأن الألتراس ما
فتئت تؤكد، في أكثر من مناسبة، رفضها لكل أشكال التسييس أو التوظيف الخارجي
لتحركاتها.
يبقى الأكيد أن ما حدث في ديربي الدار
البيضاء ليس مجرد غياب جماهيري عابر، بل رسالة مشفرة بلغة المدرجات، مفادها أن
الصوت الجماهيري لا يُشترى، وأن الاستقلالية عن كل أشكال الوصاية السياسية
والمؤسساتية، تظل أحد أعمدة قوة هذه المجموعات.