adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/04/13 - 10:11 ص


بقلم الأستاذ حميد طولست

فأين نحن من الغرب وبالضبط من جارتنا اسبانيا؟

في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتزداد فيه التحديات على كافة الأصعدة، يبقى حسّ المسؤولية أحد أعمدة البناء المجتمعي، بل هو البوصلة التي توجه الإنسان نحو السلوك القويم، وتغرس فيه مبادئ الأخلاق، والرحمة، والالتزام، والانضباط الذاتي.

فالإنسان المسؤول لا ينتظر مراقبة خارجية ليفعل ما يجب، بل ينطلق من ضمير حي ووعي ناضج يدفعه لأن يؤدي واجباته تجاه نفسه، ومحيطه، ووطنه، بإرادة حرة وشعور داخلي بالالتزام. هذا النوع من الأفراد هو ما تحتاجه المجتمعات في لحظات التحول والتغيير، لأنه يمثل لبنة صلبة في صرح التنمية.

لكن، إن نحن نظرنا إلى حس المسؤولية عندنا مقارنة بما هو عليه الحال في الدول الغربية المتقدمة،وفي أقربها إلينا "اسبانا" -التي كنا إلى حين قريب نستي مواطنها "بورقعة" - فسنجد أنفسنا أمام مفارقة مؤلمة: فهناك يُعتبر الالتزام بالواجبات سلوكاً بديهياً، متجذّراً في التربية والمدرسة والثقافة العامة، بينما هنا، في كثير من الحالات، ما زال الأمر يُنظر إليه كمجرد ردة فعل ظرفية، أو خضوع خارجي لضغوط القانون أو الخوف من العقوبة.

ففي الغرب، لا يتأخر المواطن عن موعد، ولا يعبث بالممتلكات العامة، ولا يحتاج لتذكير يومي بضرورة احترام القوانين. الموظف هناك يعلم أن جودة عمله هي انعكاس لقيمه، والأب يربي أبناءه على الاستقلالية من دون قمع، والطالب يعتبر تحصيله العلمي مسؤولية شخصية لا مجرّد واجب مدرسي. والأهم من ذلك، أن المجتمع كله يشكّل منظومة دعم تُنمّي هذا الحس وتحميه من التآكل.

أما عندنا في المغرب، فكم من مرة نرى من يتهرب من العمل، أو يستهتر بالوقت، أو لا يفي بوعد، أو يحمّل غيره مسؤولية خطئه؟ كم من طفل يُمنع من الخطأ، ثم يُلام حين لا يتعلم؟ كم من مؤسسة تُقصّر في تكوين المواطن، ثم تُطالب منه تحقيق المعجزات؟ ليست هذه أحكاماً تعميمية، فبيننا نماذج مشرقة، لكن السؤال هو: هل هذه النماذج هي القاعدة أم الاستثناء؟

المؤسف أن بيئتنا – على الرغم من ثرائها الثقافي والقيمي – ما زالت تعاني من نقص في التربية على المسؤولية، سواء في الأسرة، أو المدرسة، أو وسائل الإعلام، أو الفضاء العام. نُكثر من الحديث عن الحقوق، ونُقلل من ترسيخ الواجبات. نُطالب بالإصلاح، ونغفل عن إصلاح الذات. نشتكي من الفوضى، ونُساهم فيها حين لا يرانا أحد.

ومع ذلك يبقى الأمل في كون المجتمعات لا تتغير دفعة واحدة، بل بخطوات تبدأ من غرس القيم في النشء، وتحفيز القدوة الإيجابية، وتمكين الأفراد من التعبير والمشاركة، ومكافأة الملتزمين لا المتحايلين. نحن بحاجة إلى أن نجعل من حس المسؤولية ثقافةً عامة، لا سلوكاً فردياً طارئاً.

فلنستحضر دوماً كيف شيّد الغرب أوطاناً كاملة على أكتاف الجهد والإخلاص والانضباط. ولنكن صرحاء مع أنفسنا: هل نحن نُربي أبناءنا على تحمّل مسؤولياتهم، أم أننا نُربّيهم على الاتكالية وتبرير الأخطاء؟ هل نمنحهم مساحة للخطأ والتجربة والنمو، أم أننا نخنقهم برغبتنا في الكمال المزيّف؟

إن الشعوب التي قطعت أشواطاً في التقدم، لم تفعل ذلك بكثرة الموارد فقط، بل بقوة القيم، وعلى رأسها حس المسؤولية. متى ما انتشر هذا الحس في المجتمع، عمّ الخير، وساد الاحترام، وتفتّحت أمامنا آفاق لا حدود لها، ولكن متى ما اختفى ذاك الحس في مجتمع ما ...