adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/03/11 - 5:58 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست

رحلت نعيمة سميح في صمت، كما عاشت سنواتها الأخيرة بعيدًا عن الأضواء، تاركة خلفها إرثًا فنيًا خالدًا لن يُمحى من ذاكرة الأجيال. لكن المشهد الأكثر مرارة لم تكن المرارة في رحيلها في حد ذاته، بل في مشهد الجنازة التي لم يحضرها سوى أربعة فنانين، بالإضافة إلى السيد عامل إقليم بنسليمان. جنازةٌ خجولة العدد، لكنها صادقة الحضور، تعكس واقعًا مريرًا في بلاد نكران الجميل، حيث يشيَّع الفنانون الكبار بمواكب صغيرة، رغم ضخامة عدد من  يُحملونهم في قلوبهم من المحبين .

في زمن كان الذوق الرفيع هو السائد، كانت نعيمة سميح واحدة من الأصوات التي صاغت وجدان المغاربة، بصوتها الذي يحمل دفء الوطن، وصدق الإحساس الذي يعبر إلى القلب بلا استئذان. غنّت للحب، للوطن، للحياة، ووهبت جمهورها أعمالًا راسخة لا تزال تشدو بها الألسن حتى اليوم. ومع ذلك، حينما جاء يوم رحيلها، لم تسر خلف نعشها جموع تُعادل ما قدمته للفن وللوجدان المغربي.

لكن، العدد القليل الذي ودّعها لم ولن يكون هو المقياس الحقيقي لقيمتها؟ فالعبرة بما هو باق وخالدًا في نفوس عشاق فنها؟

وتاريخ الفن زاخرٌ بقصص المبدعين الذين أفنوا حياتهم في العطاء، لكنهم لم يجدوا في وداعهم إلا نخبة من الصادقين. فالحشود التي تتكاثر حول الفنان في لحظات مجده، قد تتبخر عندما تُسدَل الستائر. لكن الحقيقة الأهم أن الأعمال العظيمة لا تموت، وأن الإبداع الصادق يُخلَّد صاحبه في القلوب، لا في أعداد المودعين ، وإن كان مهم هو الآخر.

فمهما كان عدد مرافقي جنازة نعيمة سميح قليلًا، فإن وداعها لم ولن يكن يومًا عابرًا في الذاكرة. وستظل خالدة في أرشيف الأغنية المغربية، وفي الوجدان الجماعي، وفي كل لحظة يعاود فيها عشاق الطرب الأصيل الاستماع إلى "جريت وجاريت" أو "ياك آجرحي"، فتتردد أصداء صوتها في الأفق، وكأنها لم تغب أبدًا.

رحم الله نعيمة سميح، وأسكنها فسيح جناته، وجعل ذكراها نورًا لا ينطفئ في قلوب المحبين.