adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/03/08 - 10:24 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست

بمناسبة تحضير المملكة المغربية للمشاركة في الدورة 69 للجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة، التي ستنعقد في نيويورك خلال الفترة الممتدة من 10 إلى 21 مارس 2025 لابأس من هذا  التحليل النقدي للروايات المهينة للمرأة في التراث الإسلامي، ولكن قبل أن أبدأ مقالتي حول ما يزخر به التراث الإسلامي  من روايات مهينة للمرأة، لابد من الاتفاق على أن تحكيم العقل في المسائل الدينية ليس تجديفاً أو خروجاً عن الإيمان، بل هو واجب على كل مسلم يسعى لفهم دينه بطريقة نزيهة ومنطقية، بعيداً عن الخرافات والتفسيرات المشوهة التي تحط من كرامة الإنسان، وخاصة المرأة التي لطالما شكلت قضيتها في التراث الإسلامي محور جدل واسع بين العلماء والمفكرين، حيث تروى عن النبي محمد عشرات الأحاديث التي تُنقص من مكانة المرأة وتصورها بصفات غير لائقة، مثل كونها "ناقصة عقل ودين"، أو أنها "عورة" يجب سترها، أو أنها "تُدبر في صورة الشيطان"، وغيرها من الروايات التي تجعل منها كائناً تابعاً للرجل وخاضعاً له، حتى في أكثر الجوانب خصوصية.

تناقض الروايات مع القيم الإنسانية

عند النظر إلى هذه الأحاديث نظرة عقلانية، نجد أنها تتناقض مع المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة، بل وحتى مع بعض النصوص القرآنية التي تؤكد على كرامة الإنسان بغض النظر عن جنسه، مثل قوله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم" (الإسراء: 70). هذا يدفعنا للتساؤل عن مدى صحة نسبة هذه الروايات للنبي، خاصة وأن القرآن الكريم لم يتضمن أي آيات تهين المرأة أو تقلل من شأنها.

السبي وملك اليمين: تشريع إلهي أم تقليد اجتماعي؟

إحدى القضايا الشائكة في هذا السياق هي مسألة السبي وملك اليمين، حيث استُخدمت نصوص دينية لتبرير استعباد النساء وتحويلهن إلى جوارٍ بلا إرادة، يُباعن ويُشترَين كسلع في أسواق النخاسة، ويُمارَس عليهن الجنس دون عقد نكاح أو إذن من أهلهن. هذا الأمر يثير تساؤلاً جوهرياً: إذا كان الإسلام جاء بتحرير الإنسان من العبودية، فكيف يُبرَّر استرقاق النساء تحت مسمى ملك اليمين؟

القرآن نفسه يذكر السبي في سياقات استنكارية، كما في قوله تعالى: "وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ" (البقرة: 49). فكيف يُعقل أن يُحرَّم الاسترقاق عندما يكون المعتدي فرعونياً، لكنه يُشرَّع إذا كان الفاعل مسلماً؟ هذا التناقض يستدعي مراجعة جذرية للنصوص التراثية وإعادة قراءة التاريخ الإسلامي من زاوية نقدية.

الحديث بين النقل والتحريف

إن الحديث النبوي تعرض على مر العصور لعملية نقل معقدة، شابها كثير من الإضافات والتعديلات، سواء بدافع السياسة أو الأيديولوجيا أو الأعراف الاجتماعية السائدة آنذاك. ومع وجود أحاديث تتناقض مع المبادئ الأخلاقية والعدل الإلهي، يصبح من الضروري تطبيق مبدأ النقد والتمحيص، وعدم التسليم بصحة كل ما ورد في كتب التراث دون تحقيق أو تدقيق.

نحو قراءة عقلانية ومنصفة

من الضروري أن نواجه هذه النصوص بجرأة فكرية، وأن نعتمد على العقل والمنطق في تقييمها، دون خوف من المساس بالموروث. فالإسلام كرسالة سماوية يُفترض أن يكون متناسقاً مع القيم الإنسانية العادلة، وأي نص يتناقض مع هذه القيم يجب إخضاعه للتحقيق، بدلاً من اعتباره نصاً مقدساً لا يقبل النقاش.

خاصة في قضية المرأة التي ليست كائناً ناقصاً، وليست مجرد تابع للرجل، بل هي شريك كامل في الإنسانية، لها حقوقها كما عليها واجباتها. والوقت قد حان لفتح باب النقاش الجاد حول هذه القضايا، بعيداً عن التعصب أو الاتهامات الجاهزة، سعياً نحو فهم أعمق وأصدق للرسالة الإسلامية الحقيقية.