بقلم الأستاذ حميد طولست
مع قدوم شهر رمضان، كانت العادة أن
يكون هذا الموسم فرصة لتقديم فن راقٍ يعكس قيم المجتمع وثقافته، لكن ما نراه اليوم
من إنتاجات تلفزيونية يطرح تساؤلات جوهرية: هل ما يُعرض حقًا فن هادف، أم أنه مجرد
استغلال للموسم لتحقيق أعلى نسب مشاهدة وأكبر عائدات إعلانية؟
لا يخفى على أحد أن الفن في رمضان كان
في السابق يُقدَّم بروحٍ خاصة، تحترم خصوصية الشهر وتعكس هموم الناس وقضاياهم. أما
اليوم، فقد تحوّل إلى عروض استهلاكية تُصمَّم وفق معايير الإثارة والجاذبية
السطحية، حيث تتزاحم المسلسلات والبرامج على إشباع الغرائز أكثر من تغذية العقول
والقلوب.
المفارقة أن رمضان، الذي يُفترض أن
يكون شهرًا للسكينة والتأمل، أصبح موسمًا للتنافس على تقديم أعمال تتسم بالمبالغة
في الدراما والسطحية في الطرح. فبدلًا من أن يكون الفن وسيلةً لترسيخ القيم
والارتقاء بالذوق العام، أصبح منصةً لتكريس التفاهة، عبر قصص مكررة تعتمد على
الصراعات المفتعلة، والعلاقات المشحونة
بالمبالغات، ومشاهد الإثارة التي لا تتناسب مع جوهر الشهر الفضيل.
لا شك أن السوق هو المحرك الرئيسي لهذه
الظاهرة، فالإنتاج الفني بات يخضع لمعادلة تجارية صرفة، حيث يتم اختيار الممثلين
بناءً على شعبيتهم على وسائل التواصل، لا على موهبتهم، وتُكتب السيناريوهات بناءً
على ما يجذب الإعلانات، لا على ما يخاطب الوجدان. لكن السؤال الأهم: هل الجمهور
بريء من هذا التردي؟ لا وألف لا، فالطلب يخلق العرض، وإذا كان المشاهد لا يزال
ينجذب لهذه النوعية من الانتاجات، فهل يلام المنتجون على استغلال سذاجة ميولاته ؟
ورغم هذا الواقع المحبط، لا يزال هناك
من يحاول إنقاذ الفن الرمضاني من السقوط في دوامة الابتذال. هناك أعمال قليلة
تحاول تقديم مضمون حقيقي، يعكس قضايا المجتمع بصدق، ويخاطب الروح بدلًا من إثارة
الحواس. وهؤلاء الفنانون الذين يرفضون الانسياق وراء موجة التفاهة هم الأمل في أن
يعود الفن يومًا ما إلى دوره الأصيل: ليكون مرآةً تعكس جوهر الإنسان، لا مجرد
انعكاس لموجة عابرة من الاستهلاك السريع.
فالفن، في جوهره، أكبر من موجةٍ عابرة
أو موضةٍ زائلة. حتى وإن ُهمَّش و يُشوَّه وتراجع دوره في رمضان ، فإنه لا يفقد
قيمته ولا يموت. وكما في كل زمنٍ ابتُذِل فيه الفن، فسيأتي من يعيده إلى مجده، حيث
ينبغي له أن يكون: في قلب الإنسان، لا عند أطرافه.