adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/03/09 - 10:08 ص


بقلم الأستاذ حميد طولست

يحتفي العالم في الثامن من مارس من كل عام باليوم العالمي للمرأة، وهو مناسبة تستدعي التأمل في وضع المرأة عبر التاريخ، ومدى تكريمها في مختلف الثقافات والشرائع. ومن بين المرجعيات التي شكلت نظرة المجتمع للمرأة، نجد الفقه الإسلامي من جهة، والعادات والتقاليد الأمازيغية من جهة أخرى. فكيف كرَّم الفقهاء الأربعة المرأة؟ وكيف نظر إليها أجدادنا الأمازيغ؟

حيث اعتمد الفقهاء الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، على القرآن الكريم والسنة النبوية في بناء تصوراتهم حول مكانة المرأة وحقوقها. وقد اتفقوا على أمور جوهرية في تكريمها، مثل حقها في الميراث، وحفظ كرامتها في الزواج والطلاق، ومنحها الحق في التعليم والعمل وفق الضوابط الشرعية. كما أكدوا على ضرورة احترامها كأم وزوجة وابنة، استنادًا إلى نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تحث على حسن معاملتها.

إلا أن اجتهادات الفقهاء اختلفت في الكثير من التفاصيل التي مست حقوق المرأة، كحقها في تولي المناصب والمسؤوليات، أو استقلالها المالي والاجتماعي، حيث توسع أبو حنيفة في إعطائها حرية أكبر، بينما كان الإمام أحمد أكثر تحفظًا في بعض المسائل. لكنهم جميعًا اتفقوا على أنها مكرمة في الإسلام، ولها دور رئيسي في بناء المجتمع.

أما في الثقافة الأمازيغية، فقد حظيت المرأة بمكانة متميزة عبر التاريخ، حيث نجد أنها لم تكن فقط زوجة أو أمًا، بل كانت زعيمة ومحاربة وكاهنة وصاحبة قرار. وتاريخ الأمازيغ زاخر بنماذج نسائية قوية، مثل الملكة الأمازيغية "ديهيا" التي قادت جيشها في مواجهة الغزاة، و"تينهنان" رمزً للحكمة والسيادة بين الطوارق.

لم يكن تكريم المرأة الأمازيغية مجرد شعارات، بل كان جزءًا من البنية الاجتماعية، حيث كانت المرأة تمتلك الأرض وتشارك في التجارة وتدير شؤون القبيلة في غياب الرجال. كما أن القانون العرفي الأمازيغي (إزرفان) منحها حقوقًا متقدمة في الإرث مقارنة ببعض المجتمعات الأخرى، فضلاً عن أنها كانت تتمتع بحرية التعبير واتخاذ القرار دون وصاية ذكورية صارمة.

الأمر الذي يطرح التساؤل المحير :أيهما أكثر إنصافًا ،الشريعة والعرف؟

لا يمكن إنكار أن الفقه الإسلامي في مجمله منح المرأة حقوقًا وحافظ على كرامتها، ولكن طبيعة التفسير الفقهي وتأثره بالسياقات الزمنية والاجتماعية جعلته أحيانًا أقل مرونة مقارنة بالعادات الأمازيغية التي أعطت المرأة دورًا أكثر تحررًا. فبينما ركز الفقهاء على تحديد حقوقها في إطار الأحكام الشرعية، تعامل الأمازيغ مع المرأة كشريك متكافئ في بناء المجتمع، دون قيود تذكر على دورها القيادي والاجتماعي.

إن الاحتفاء بالمرأة لا يجب أن يكون مجرد تقليد سنوي، بل ينبغي أن يكون دعوة لإعادة قراءة تاريخها في مختلف الثقافات، واستخلاص الدروس التي تضمن لها حقوقها كاملة. وبينما وضع الفقهاء لها إطارًا تكريميًا وفق الشريعة، منحها الأمازيغ حريةً أوسع في إدارة حياتها. والتحدي اليوم هو الاستفادة من كلا النموذجين لتحقيق مجتمع يضمن للمرأة مكانتها الحقيقية كشريك أساسي في التنمية والازدهار. ولضمان ذلك ، يجب تحقيق توازن بين تعاليم الشريعة الإسلامية والعادات العرفية التي تدعم دورها الاجتماعي والاقتصادي. والذي لن يتم إلا من خلال:

1.    الاجتهاد الفقهي المتجدد: إعادة قراءة النصوص الدينية وفقًا لمتغيرات العصر، بما يحقق الإنصاف للمرأة دون المساس بالمبادئ الشرعية.

2.    حفظ حقوقها الاجتماعية والاقتصادية: منح المرأة فرصًا متساوية في التعليم والعمل والمشاركة السياسية، بما ينسجم مع القيم الإسلامية والعادات الإيجابية.

3.    الاستفادة من التجربة الأمازيغية: تعزيز مكانة المرأة من خلال نماذج مستوحاة من التراث الأمازيغي، حيث كانت تشارك بفاعلية في شؤون المجتمع دون قيود تحد من استقلاليتها.

4.    التوعية والتثقيف: تعزيز الوعي بدور المرأة في التنمية من خلال برامج تعليمية وإعلامية تدعو إلى المساواة واحترام حقوقها.

5.    التشريعات الداعمة: تطوير القوانين التي تحمي المرأة من التمييز والعنف، وتضمن مساهمتها الكاملة في بناء المجتمع.