بقلم الأستاذ حميد طولست
إن هؤلاء المؤثرين المشوهين ، استغلوا
منصاتهم لتحقيق الشهرة على حساب المصداقية والأخلاق. بعد أن تفشى بينهم الهوس
بالظهور والشعبوية، فباتوا يرون أنفسهم فوق القانون والمحاسبة، معتمدين على أعداد
المتابعين الذين ينجذبون للإثارة والافتراء، بدلًا من المصداقية والموضوعية ،
الذين تكمن إشكاليتهم الأساسية في ادعائهم المدافع عن الحق ومحاربة الفساد، بينما
هم في الواقع يمارسون التضليل والتشهير لتحقيق مكاسب شخصية أو لتصفية حسابات خاصة.
فكم من مواطن بريء وجد نفسه ضحية لتقارير ملفقة ومعلومات مغلوطة نُشرت دون أدنى
تدقيق أو مراعاة لأبسط قواعد الأخلاق الصحفية؟ وكم من مؤسسة تضررت بسبب حملات
تشويه ممنهجة استهدفت سمعتها دون دليل أو سند قانوني؟
لا يخفى على أحد أن بعض هؤلاء المؤثرين
جعلوا من الابتزاز أسلوبًا لتحقيق المكاسب، مستغلين قوة وسائل التواصل الاجتماعي
وتأثيرها الواسع، متجاهلين أن القانون لا يفرق بين التشهير الإلكتروني وغيره من
الجرائم التقليدية، وأن العقوبات قد تصل إلى الحبس والغرامة لكل من ينشر محتوى
كاذبًا أو مضللًا.
والدولة المغربية تعي - لحسن الحظ -
خطورة هذه الظاهرة، وقد اتخذت إجراءات حاسمة في حق بعض الأفراد الذين ثبت تورطهم
في جرائم التشهير والابتزاز الإلكتروني، حيث تم تقديمهم للعدالة وفق قوانين واضحة
وصارمة، مثل قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، الذي يعاقب كل من ينشر
محتوى لا يتوافق مع معايير الإعلام النزيه.
لكن ، ومع الأسف ، رغم تلك الإجراءات،
لا تزال هناك عشرات الحالات المماثلة في أروقة المحاكم، تنتظر الحكم العادل الذي
يضع حدًا لهذه الفوضى الإعلامية. فلا يعقل أن يتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة مفتوحة
لنشر الأكاذيب، دون أن يكون هناك رادع يحمي الأفراد والمؤسسات من التشويه
والابتزاز.
من هذا المنطلق، يتحتم على كل صاحب
منصة أو حساب إلكتروني أن يعي جيدًا مسؤولية ما ينشره، وأن يدرك أن الحرية
الإعلامية لا تعني الفوضى ولا تسمح بالتعدي على حقوق الآخرين. لأن عدد المتابعين
ليس حصانة قانونية، ولن يكون سببًا في الإفلات من المحاسبة، إذا كان المحتوى
المنشور مخالفًا للقوانين والأخلاقيات الإعلامية.
وتبقى التوعية الإعلامية ضرورية
لمواجهة هذا المد الخطير من التضليل، وعلى الجمهور أيضًا أن يتحمل جزءًا من
المسؤولية، بعدم الانسياق وراء كل ما يُنشر، والتأكد من مصداقية المعلومات قبل
تصديقها أو إعادة نشرها.
فوسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو
حدين، فكما أنها تمنح صوتًا لمن لا صوت له، فقد أصبحت أيضًا أداة بيد بعض العابثين
الذين يستغلونها لنشر الفوضى والإضرار بالآخرين. إن التصدي لهذه الظاهرة مسؤولية
مشتركة بين الدولة والإعلام والمجتمع، حتى تبقى هذه المنصات فضاءً نزيهًا يعزز
القيم الإيجابية بدل أن يكون مسرحًا للتشهير والابتزاز.