adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/03/02 - 10:22 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست

في خضم الجدل الدائر حول ارتفاع الأسعار وتداعياته الاجتماعية، لم يكن البرلمان ولا النقابات ولا حتى الإعلام الرسمي هو من فجَّر النقاش العام حول القدرة الشرائية للمواطنين، بل كان السردين، تلك السمكة البسيطة التي تُلقَّب بـ"حوت الدراويش"، والتي أصبحت رمزاً للاحتقان الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

بدأت القصة مع الشاب المراكشي الذي قرر كسر القواعد غير المكتوبة، وبيع السردين بسعر منخفض، متيحًا الفرصة للفقراء لشراء غذاء يومهم. ولكن بدلاً من أن يُحتفى بمبادرته، سُلطت عليه أضواء الرقابة التي اقتحمت لجنتها محلّه، وكأن خفض الأسعار بات جريمة يعاقب عليها القانون. وفي مقابل هذه الصرامة تجاهه، لم يُرَ مثلها ضد المحتكرين الذين يتحكمون في أسعار المواد الأساسية من المصدر إلى المستهلك.

الملف الذي بدت معه الحكومة مرتبكة في التعامل معه ، فجاء رد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسمها خاليًا من أي إشارة مباشرة للقضية، حيث قال: "تتبعتُ ملف الشاب المراكشي وما قام به هو توجه الحكومة التي تُجند كل المجهودات المتوفرة لخفض الأسعار". لكنه لم يفسر لماذا تعرّض الشاب للمساءلة في الوقت الذي تُترك فيه اللوبيات الاقتصادية تعمل بحرية؟

أما وزير الصيد البحري، فقد بدا وكأنه خارج سياق الأزمة، حين برر ارتفاع أسعار السردين بشح الأمطار والجفاف، متجاهلًا أن هذا القطاع تحكمه منظومة معقدة من المضاربات التي تجعل الأسعار منفصلة تمامًا عن الواقع الطبيعي، ومتصلة أكثر بمن يتحكمون في السوق وسلعه التي من بينها السردين الذي لم يكن مجرد نقاش عابر، بل لحظة تنبيه سياسية واقتصادية تستدعي التأمل والبحث في آليات السوق والتشريعات الاقتصادية. فالحادثة كشفت عن هشاشة السياسات الحكومية في مواجهة اللوبيات، وعن غياب الرقابة الحقيقية التي تضمن التوازن بين المنتج والمستهلك.

إن هذه القضية لم تكن فقط لحظة جدل عابرة، بل فتحت الباب على مصراعيه لنقاش واسع حول حماية القدرة الشرائية، وحول موقع الحكومة في معادلة السوق، ومدى قدرتها على فرض سياسات فعالة تحد من جشع الوسطاء والمحتكرين. فهل يكون السردين نقطة تحول حقيقية في التعاطي مع قضايا الاقتصاد العادل؟ أم أن الحكومة ستتجاهل إشاراته كما تجاهلت قضايا أخرى سبقت؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.