adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/03/10 - 1:39 م

بقلم اعتصام عثمان/ السودان

"أقنعة الموت" تجربة درامية تفوقت على حدود الفن التقليدي، لتتحول إلى شهادة بصرية نابضة بحقيقة الحرب التي مزقت السودان. قدم المسلسل من إخراج أبوبكر الشيخ صورة واقعية ومؤلمة لما يعانيه الشعب السوداني، ليس فقط من دمار البنية التحتية، بل أيضًا من الانهيار الاجتماعي والإنساني تحت وطأة العنف والموت. 

اختيار أماكن التصوير الحقيقي مثل أحياء أم درمان كان خطوة جريئة وموفقة، حيث نقلت الكاميرا واقعًا أقرب إلى الألم منه إلى الخيال. المشاهد التي وثقت الخراب والانتهاكات كانت أكثر من مجرد خلفيات، بل أصبحت رسائل إنسانية وسياسية عميقة تستهدف ضمير المشاهد. 

نجح المسلسل في استخدام الدراما كسلاح مقاومة، حيث وظف المخرج عناصر بصرية وتقنيات إخراجية غير تقليدية مثل التصوير اليدوي والإضاءة الطبيعية، مما جعل العمل ينبض بالواقعية ويجذب المشاهد إلى قلب المعاناة. لحظات الصمت التي أُبدعت بإتقان جاءت أكثر تأثيرًا من أي حوار، حيث عكست حجم الفاجعة التي تعيشها الشخصيات وامتدت لتلامس أرواح المشاهدين. 

برع نجوم العمل في تقديم أداء إنساني عميق، حيث نجح صالح عبد القادر وناهد حسن وغيرهما من الممثلين في تجسيد شخصيات تحمل معاناة الوطن وأمله. استطاعوا أن ينقلوا أوجاع الشعب ويجعلوا الجمهور يعيش اللحظة بكل تفاصيلها، مما عزز من مصداقية المسلسل وأثره الإنساني. 

لم يتوقف "أقنعة الموت" عند حدود السرد التقليدي، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بتوجيه رسائل سياسية جريئة كشفت عن أدوار بعض الأطراف في تعميق الأزمة. هذا الطابع السياسي القوي أضاف بُعدًا آخر للمسلسل، لكنه جعل العمل مادة للنقد والنقاش، وهو ما يعكس عمق تأثيره على الوعي الجماهيري. 

رغم الانتقادات التي وجهت للعمل فيما يخص كثافة المشاهد العنيفة وتأثيرها النفسي، يظل المسلسل شهادة إنسانية ضرورية في زمن الحرب. فالجرأة التي تعامل بها المخرج مع الواقع المرير جعلت العمل يتجاوز كونه دراما عابرة ليصبح وثيقة تاريخية توثق جزءًا من مأساة السودان. 

"أقنعة الموت" لم يكن فقط توثيقًا للمعاناة، بل كان دعوة للتأمل والمقاومة، وإعادة بناء الأمل بين الأنقاض. استطاعت الدراما السودانية من خلاله أن تؤكد قدرتها على مواجهة التحديات ونقل أصوات الشعوب المكافحة من أجل السلام والعدالة.