adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/02/17 - 4:59 م


بقلم الأستاذ حميد طولست

لا تُفرِط في العطاء، فبعض القلوب تعتاد النعمة ولا تشكر، ففي حياتنا، كثيرًا ما نُقدم الخير بحسن نية، دون أن ندرك أن بعض القلوب تعتاد النعمة فلا تشكر، بل تعتبرها حقًا مكتسبًا، حتى إذا توقفت، شعرت بالإساءة بدلًا من الامتنان.

هذه الفكرة تجسدها الطرفة التي تحكي عن رجل كريم اعتاد التصدق على أحد الفقراء بمبلغ شهري ثابت. ومع مرور الوقت وزيادة أعباء حياته بعد الزواج والإنجاب، اضطر إلى تقليل المبلغ شيئًا فشيئًا. لم يعترض الفقير في البداية، لكنه ما إن لاحظ استمرار النقص حتى واجهه ساخطًا: "واش غادي تربي ولادك على حسابي؟!" وكأن كرم الرجل أصبح التزامًا عليه، وحقًا غير قابل للنقصان.

إن مثل هذه المواقف تكشف لنا حقيقة مؤسفة: ليس كل من نحسن إليهم يقدرون المعروف؛ بل إن بعضهم يعتادونه حتى يصبح في نظرهم واجبًا لا فضلًا. وحين يواجهون نقصه، يشعرون كما لو أن حقوقهم قد سُلبت. وهذا ما يجعل التوازن في العطاء ضرورة لا غنى عنها.

الكرم فضيلة، ولكن الإفراط فيه دون تقدير عواقبه قد يتحول إلى عبء على صاحبه، وربما يجعله هدفًا لاستغلال الآخرين. لذا، من الحكمة أن نضع حدودًا لعطائنا، وأن نميز بين من يستحق المساعدة ويقدرها، ومن يأخذها استغلالًا وجشعًا.

فكما يُقال: "لا تعوّد الناس على عادات لا تستطيع الاستمرار بها"، لأن ما تفعله بحب وتضحية اليوم، قد يصبح غدًا فرضًا متوقعًا منك، وإن توقفت عنه، وُوجهت بالجحود بدل الشكر. فلنمنح بحكمة، ولنحافظ على مساحة تحمينا من الاستغلال، حتى يبقى العطاء طيبًا وصادقًا، لا واجبًا يُساء فهمه.