عبدالإله الوزاني التهامي
تدرج سيدي التهامي في البحث عن شيخ
يدله على طريق السعادة الدنيوية والأخروية الضامنة للطمأنينة القلبية، إلى أن عثر
على مراده، يقول بلسانه عن عجائب مشاهداته، بعد
دخوله القفص الصوفي: "فوقفت ليلا ورفعت بصري إلى الشباك المفتوح في
الزاوية.. وإذا بي أسمع صوتا ما أدري لأي شيء أشبهه، إلا أنه يشبه صوت الحور العين
وقد استقبلن الداخلين إلى الجنة من المؤمنين الذين أخرجوا من النار قائلات لهم:
سلام عليكم طبتم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» هنا تذوق الوزاني طعم النفحات
والموجات التي "تتوارد على أصحاب الشوق والاشتياق».
هذا المنعرج الكبير في حياة الوزاني
لعب فيه غيلان السبب الرئيسي في العثور «على ما كان يبحث عنه من سريرة هذا الشاب»،
لأنه كان في حيرة لا يرى خلاصا منها إلا لقاء شيخ عارف بأحوال الطريق وخاطرات
النفوس عسى أن يأخذ بيدي فينقذني من هذه الحيرة». وكانت وظيفة غيلان آنئذ القيام
بخدمة المريدين ورعاية مصلحة الزاوية، فتم اتصال المريد الجديد بالشيخ في جو تخيم
عليه المهابة ويلفه الجلال. وفي بداية ذلك الاتصال «انحنى غيلان على الشيخ إدريس
الحراق وأسر له شيئا، ثم قال لي (أي للتهامي (الوزني)، قم فهذا شيخك سيلقنك الورد.
فوالله ما ارتعت ولا تأخرت ولا خطر بخاطري أي نوع من أنواع التردد بل قمت في
اطمئنان وحنوت على ركبتي، ووضعت كفي في كفه، فأخذ يلقنني الورد. ولكنني لم أتمكن
من حفظ ما ذكره لي. وكان ذلك -يضيف الوزاني- على الساعة العاشرة في يوم ثالث عشر
ربيع الأول سنة 1337هـ موافق 17 ديسمبر 1919 وسني إذاك خمس عشرة سنة.
يقول عبد القادر الشاوي عن دوافع وخلفيات
الارتماء في أحضان الزاوية الحراقية بالشكل الذي رأيناه: (إذا عدنا إلى
"الزاوية" من باب تأويل حكاية قصتها الجدة على وليدها سيدي الوزاني، وهي
تدور حول جد الأشراف الوزانيين مولاي عبد الله الشريف المحض (مؤسس الزاوية
الوزانية)، وتلخص سيرته في طلب طريق القوم (السلوك إلى الله) على يد الشيخ علي بن
أحمد الصرصري، وتبرز مدى إخلاصه في خدمة هذا الشيخ واستقامة سلوكه وصدق أخلاقه
ومقاصده، حتى قال له الشيخ:" يا ولدي لم يبق لك عندي حاجة، فاذهب لتدل الناس
على الله" مقدرا فيه رياضته ومجاهداته. وإذا أعدنا قراءة ما قاله الوزاني عن
هذه الحكاية فسيتضح أن استحضار منطوق الحكاية، عندما قر عزمه على ملاقاة الشيخ
الحراق والاستعداد لأخذ الورد، هو استحضار ذكي لسلوك نموذجي وأخلاق مثالية ورموز
شخصية صوفية ولمضمون علاقة يطبعها التسليم الإرادي بين الشيخ والمريد. فكأنما تقمص
الوزاني دور جده مولاي عبد الله الشريف المحض تقمصا نفسيا وفكريا وسلوكيا.
ولهذا معناه في«الزاوية» لأن ارتباط الوزاني بالشيخ الحراق هو بالمعنى الرمزي، ارتباط متجدد بالتربية الأخلاقية الصوفية التي ترعرع في مناخها الخاص والعام في ظلال زاوية دار الضمانة. يتبع ..