بقلم الأستاذ حميد طولست
في سياق الصراعات السياسية والعسكرية،
تتعدد معايير النصر والهزيمة بناءً على النظرة الثقافية والاجتماعية للأطراف
المعنية، في العالم العربي، تأخذ هذه المعايير أبعادًا مختلفة، غالبًا ما تكون
رمزية وأيديولوجية أكثر منها مادية أو ملموسة.
حيث يُنظر أحيانًا في الثقافة العربية،
إلى النصر كحالة معنوية مرتبطة بالكرامة والصمود أكثر من كونه نتيجة مباشرة
لموازين القوى العسكرية. هذه النظرة جعلت الشعوب تتكيف مع الخسائر المادية
والبشرية كجزء من معركة مستمرة ضد أعداء تقليديين مثل الاحتلال أو الإمبريالية.
بالمقابل، نادرًا ما يتم الاعتراف
الهزيمة، بشكل صريح. ويتم تحميل مسؤوليتها لقوى خارجية، ويُعاد تأطير المصطلح
لتجنب تداعياته النفسية والسياسية. على سبيل المثال، هزيمة 1948 أُطلق عليها
"النكبة"، بينما هزيمة 1967 سُمِّيت "النكسة".
في ظل ذلك يبرز السؤال المحير حول حرب غزة الأخيرة و مدى استفادة سكانها منها ، و
هل كانت انتصارًا أم هزيمة؟ الأمر الذي
يفرض التحليل من الكثير من الزوايا:
1ـ من حيث المنظور المادي ،
تعرضت غزة لدمار واسع النطاق. قُتل
آلاف الأشخاص، وأصيب أضعافهم. البنية التحتية تعرضت لتدمير كبير، مما يزيد من
معاناة السكان الذين يعانون بالفعل من حصار طويل الأمد.
2.
الصمود والمعنويات
رغم الخسائر، يظهر الجانب الرمزي
للصراع. بالنسبة للكثيرين، مجرد استمرار حماس في إطلاق الصواريخ ومواجهة الجيش
الإسرائيلي يُعدُّ إنجازًا. هذه النظرة تُغذيها الرواية القائلة بأن الصمود أمام
قوة عسكرية كبيرة هو بحد ذاته انتصارا.
3. التأثير السياسي والإقليمي
على المستوى السياسي، تمكنت حماس من
تسليط الضوء على قضية غزة وإعادة طرحها على الساحة الدولية.
مع ذلك، هل هذا الزخم السياسي يترجم
إلى تحسينات حقيقية في حياة سكان غزة؟ الأكثر تضررًا من هذا الصراع ، بما عرفته من
فقد للأرواح،وتدمير للمنازل، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، وزيادة العزلة الدولية،
وغيرها من الخسائر التي تجعل من الصعب وصف ما حدث بأنه انتصار بالنسبة لسكان غزة .
ويبقى الرابح والخاسر في هذه الحرب
هي حماس ،حسب زاوية النظر:حيث أنها من
الناحية العسكرية: خسرت الكثير من مواردها البشرية والعسكرية، وربحت نوعًا من
المصداقية العسكرية بسبب استمرار قدرتها على إطلاق الصواريخ .
أما من الناحية السياسية: قد ربحت دعمًا رمزيًا وشعبيًا في بعض الأوساط
العربية والإسلامية.
ومن الناحية الإنسانية: فقد خسر سكان غزة على جميع الأصعدة، حيث كانوا
الحلقة الأضعف في هذا الصراع.
خلاصة
النصر والهزيمة ليستا بالضرورة مفاهيم
مطلقة. ما حدث في غزة يمكن اعتباره نصرًا رمزيًا لحماس وخسارة كبيرة لسكان القطاع.
هذا التناقض يعكس تعقيدات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ويطرح تساؤلات حول جدوى
استمرار هذا النهج. ما يحتاجه سكان غزة اليوم ليس فقط الصمود الرمزي، بل
استراتيجية شاملة تضمن لهم الحياة الكريمة والحرية الحقيقية.