بقلم : عبدالقادر العفسي
" هذا المقال عبارة عن رحلة في
خيال الكاتب، وأي تقاطع مع الواقع هو مجرد صدفة عابرة، إلا إذا كان الواقع أكثر
غرابة من الخيال"
في عالم المؤسسات والشركات التي تُدار
من قِبل ممثلين قانونيين، تظهر أحيانًا نماذج تتجاوز أدوارها المهنية إلى تشكيل
شبكات سرية تخدم مصالح شخصية على حساب الصالح العام، في شركة الماء والكهرباء حيث
تُدار إحدى أهم ركائز البنية التحتية لأي دولة، يتجلى التداخل بين السلطة المؤسسية
والممارسات غير القانونية كمنظومة معقدة تسير على خطى المافيا المنظمة ، و في عمق
المشهد الذي يهيمن عليه الممثل القانوني لهذه الشركة الخدمية ، يتكشّف نموذج
لمؤسسة أصبحت مختبرًا للفساد المنظم، حيث يُعاد تعريف مفهوم السلطة لتتحول إلى
أداة نهب ممنهج، مدعومة بواجهة قانونية تُخفي ما يدور خلف الكواليس ، هذا الممثل،
الذي يُفترض أن يكون حارسًا للقانون وحاميًا للموارد العامة، يقود شبكة فساد
تتغلغل في صلب المؤسسة، تُدار بأساليب تتجاوز أسوأ أشكال الاستغلال إلى تشكيل
مافيا مؤسسية تُقوّض أسس الدولة نفسها .
هذا الممثل القانوني و منظومته
المتعمرنة المتصهنجة ...! الذي أُنيط به حماية مصالح الشركة والعمل في إطار
القانون، يتحول في هذه السيناريوهات إلى حلقة وصل رئيسية في شبكة فساد تمتد جذورها
لتصل إلى صُناع قرار ومتعاونين في مختلف المستويات، يتجلى هذا الفساد في استغلال المنصب لتحقيق
أرباح شخصية منها الابتزاز و إخفاء الملفات و التلأك في المساطر ، ونهب الأموال
العامة عبر عقود وهمية، وتقديم مشاريع صورية تُصرف لها ميزانيات ضخمة دون تنفيذ
حقيقي وله شبكة من المتعاونين المتخاذلين من الإدارة نفسها خاصة مدير هذه المؤسسة
الذي يكتنف فخديه مراهقة متأخرة ليضع المؤسسة و حياته المهنية بين لمسة شابة من
العرضين! الأخطر من ذلك، يتم تقديم الضحايا من العاملين و الموظفين البسطاء
والمواطنين ككبش فداء لتغطية الجرائم المالية التي تُرتكب في الخفاء ، الخطورة هنا
ليست فقط في الجرائم التي تُرتكب، بل في العمق السياسي والاجتماعي الذي تُحدثه هذه
الأفعال، هذا الكائن الذي أطلق عليه الممثل القانوني ليس مجرد فرد منفصل يمارس
أدوارًا مريبة، بل هو واجهة لمنظومة واسعة، تتضمن تواطؤًا مع إدارات عليا، تحالفات
مع أطراف اقتصادية خارجية، وتنسيقًا محكمًا مع جهات خفية تُشكّل مراكز قوة موازية
للدولة،في هذا السياق،تتحول الشركة من كيان وطني إلى بؤرة تهديد مباشر لاستقرار
المؤسسات العامة، حيث يتم اختراق نظم الرقابة وتُفرّغ من مضمونها لتصبح أدوات
شكلية تُستخدم فقط لتبرير القرارات الفاسدة .
هذا" الميسوجيني" الذي تعرض
لصدمة نفسية! التجئ إلى الطرب التقليدي كتعبيرات السادين للتحايل على الواقع ،
يتحول (الممثل القانوني) هنا إلى حجر زاوية في تشكيل ميليشيات خفية، ليست بالضرورة
عسكرية، ولكنها مجموعات مدنية تنشط في تنفيذ أجندات مشبوهة تخدم مصالح الفاسدين ،
هذه الميليشيات تتجاوز أدوار الدولة عبر زعزعة الثقة في المؤسسات، وتأجيج الصراعات
الاجتماعية، وإضعاف قدرة الدولة على فرض سيادة القانون ، يتم ذلك من خلال استغلال
النفوذ لتسهيل التهرب من الملاحقة القانونية، وتوظيف أدوات الضغط مثل الابتزاز
والرشوة لضمان صمت الشهود أو تعطيل سير العدالة ، في هذه البيئة التي تحكمها
المصالح الشخصية والمنفعة المادية، تصبح الشركة ساحة معركة خفية بين الأطراف
المتنازعة على الغنائم، في حين يتحمل المواطن البسيط فاتورة الفساد التي تظهر في
صورة تردي الخدمات، ارتفاع الأسعار، وانقطاع الموارد الأساسية... يتحول الممثل
القانوني إلى ركن أساسي في منظومة تُكرّس فكرة الإفلات من العقاب وتفكيك أدوار
الدولة في حماية مواردها .
ما يجعل الأمر أكثر إلحاحًا هو
الاستخدام الممنهج للقوانين نفسها كوسيلة لشرعنة الجرائم، العقود المشبوهة،
المزادات المغلقة، والاستشارات الوهمية ، تعطيل مصالح المواطنين و الابتزاز
بالغرامات الجزافية و المزاجية للنصب و الاحتيال وسحب العدادات دون مبرر (أحيانا
يتم طلب نهش اللحم كالحيوانات مقابل إعادة الوضع إلى مكان عليه)...كلها تأتي مغلفة
بطابع قانوني يصعب اختراقه، مما يعقّد عملية الملاحقة القضائية ويزيد من جرأة
الفاسدين..هنا، تتحول المؤسسات الرقابية والقضائية إلى رهائن لهذه الشبكة، حيث
تُمارس عليها ضغوط سياسية واقتصادية، ويُعطّل عملها من خلال آليات نفوذ تمتد إلى
القنوات التشريعية والتنفيذية .
إن هذه الظاهرة ليست مجرد خرق قانوني
عابر، بل هي تأسيس لنظام موازي يُدار من وراء الكواليس ، بل تتحول الشركة من مؤسسة
خدمية إلى كيان يستنزف الاقتصاد الوطني ويمتص قدرات الدولة، مما يتركها عاجزة عن
تلبية احتياجات المواطنين أو تحقيق تنمية مستدامة، المشكلة ليست فقط في الأفراد الذين يمارسون هذا
الفساد، بل في الشبكة الكاملة التي تُمكنهم من ذلك عبر تواطؤ مؤسسي ونظام يُكرّس
ثقافة الإفلات من المحاسبة .
من ناحية أخرى، تتجاوز هذه المنظومة
حدود الاقتصاد إلى تشكيل تداعيات سياسية مباشرة، الفساد هنا ليس مجرد اختلاس للمال
العام، بل هو تشكيل لبيئة فوضوية تُضعف مؤسسات الدولة، وتُفقد المواطنين الثقة في
النظام، مما يخلق فراغًا سياسيًا يُستغل لفرض أجندات خارجية أو تكريس ممارسات
استبدادية، ما يثير القلق أكثر هو الطريقة التي يتم فيها تقديم الضحايا، حيث يتحمل
المواطنون العاديون عبء هذه الجرائم، سواء من خلال ارتفاع فواتير الخدمات أو تدني
جودتها أو غرامات همايونية من فراغ ...في حين يُقدَّم الموظفون المبتزون كأكباش
فداء لتصفية الحسابات الداخلية .
في مواجهة هذه الظاهرة، لا يمكن للجهات
القضائية والبرلمانية أن تقف موقف المتفرج، ما يتطلبه الوضع هو إعلان حالة طوارئ
قانونية تُفعّل فيها أدوات التحقيق بصرامة وشمولية، تبدأ من مراجعة جميع العقود
التي أبرمتها الشركة خلال العقد الأخير، وتحليل تدفقات الأموال عبر حساباتها،
وانتهاءً بمساءلة الممثل القانوني و بطانته بشكل علني أمام المؤسسات الرسمية ، هذه
المساءلة يجب أن تكون مدعومة بضغط شعبي يطالب بالإجابة على سؤال أساسي: كيف تتحول
مؤسسة حيوية مثل شركة الماء والكهرباء إلى منصة لتدمير القيم القانونية
والاقتصادية و الأخلاقية للدولة؟
من الناحية التشريعية، يتوجب على
البرلمانيين إصدار قوانين تجرّم بشكل صارم أي تواطؤ بين المسؤولين القانونيين
والشركات الخاصة، مع فرض عقوبات رادعة تمتد إلى مصادرة الأصول ومنع المتورطين من
ممارسة أي نشاط اقتصادي أو قانوني مستقبلاً، أما الجهات القضائية، فعليها أن تتحرر
من أي ضغوط سياسية و غير ذلك وأن تُثبت استقلاليتها من خلال تشكيل لجان تحقيق
مستقلة، تُعطى كافة الصلاحيات للوصول إلى الوثائق والشهود دون عوائق
المعركة ضد هذا الممثل القانوني
ومنظومته الفاسدة ليست مجرد قضية قانونية، بل هي معركة وجودية تمس صلب فكرة الدولة
نفسها، إن تفكيك هذه الشبكات ليس فقط أمرًا ملحًا عبر تحقيقات شفافة وعادلة،
واستحداث قوانين تردع مثل هذه الممارسات ، و إشراك المجتمع في محاربة الفساد من
خلال تعزيز وعيه بحقوقه ومطالبته بالشفافية في إدارة موارده ، بل ضرورة لبقاء
الدول وضمان استقرارها و واجب وطني يُعيد للدولة اعتبارها ويُثبت للمواطنين أن
القانون فوق الجميع، مهما كانت مواقعهم أو نفوذهم .