adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/01/08 - 9:03 م

تدبير الشأن العام يُعد من أعقد المهام التي تتطلب كفاءة، نزاهة، وحسُا عالياً بالمسؤولية. إلا أن هذه المهمة تفقد قيمتها إذا أصبحت أسيرة المصالح الذاتية، خاصة في مجتمع تتغلغل فيه ثقافة الفردية المفرطة، والتي يعبر عنها المثل المغربي الدارج: "اش غادي ناكل أنا أو اش غادي نوكل ولادي". هذه العبارة، رغم أنها تبدو عادية في سياق الحياة اليومية، تعكس واقعًا اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا يؤثر على أسلوب تدبير الشأن العام في المغرب.

تغليب المصلحة الذاتية: خطر يهدد تدبير الشأن العام

إن تغليب المصلحة الذاتية في تدبير الشأن العام يمثل تحديًا كبيرًا ينعكس بشكل سلبي على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فعندما يتخذ المسؤول قراراته بناءً على مصلحته الشخصية أو مصلحة فئته الضيقة، فإن ذلك يؤدي إلى تفشي الفساد، سوء توزيع الموارد، وغياب العدالة الاجتماعية.

على سبيل المثال، أشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات في المغرب لعام 2022 إلى عدد من الاختلالات في تدبير بعض القطاعات العمومية، حيث تم تسجيل مشاريع متعثرة أو غير مكتملة بسبب ضعف التخطيط وسوء التسيير. هذه الاختلالات غالبًا ما تكون نتيجة قرارات غير مدروسة، تعكس غياب رؤية بعيدة المدى تخدم الصالح العام.

سيادة ثقافة "أنا وعائلتي أولاً"

ثقافة "اش غادي ناكل أنا أو اش غادي نوكل ولادي" ليست مجرد تعبير شعبي، بل أصبحت في بعض الأحيان مبدأ غير مكتوب يُوجّه السلوكيات الفردية والجماعية. هذه الثقافة قد تكون نتيجة مباشرة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية، مثل البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة. لكن عندما تنتقل هذه العقلية إلى دوائر صنع القرار، فإنها تُنتج مسؤولين يركزون على تحقيق مصالحهم الشخصية بدلًا من تلبية احتياجات المجتمع.

على سبيل المثال، في مجال توزيع المشاريع الاستثمارية، يتم أحيانًا توجيه الاستثمارات إلى مناطق ذات علاقة بمصالح فردية أو عشائرية على حساب مناطق أخرى أكثر احتياجًا. وهذا ما يؤدي إلى استمرار الفوارق المجالية وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة.

أهمية تغليب المصلحة العامة

تغليب المصلحة العامة على المصلحة الذاتية هو الأساس الذي يقوم عليه تدبير الشأن العام الناجح. ويتطلب ذلك:

1. الشفافية والمحاسبة: يجب أن تكون القرارات المتخذة واضحة، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة. تقارير الهيئات الرقابية مثل المجلس الأعلى للحسابات تلعب دورًا مهمًا في تسليط الضوء على الممارسات غير السليمة.

2. بناء وعي جماعي: التعليم والإعلام يمكن أن يلعبا دورًا محوريًا في تغيير الثقافة السائدة وتعزيز مفهوم الخدمة العامة.

3. تمكين المجتمع المدني: المجتمع المدني يُعتبر شريكًا رئيسيًا في مراقبة تدبير الشأن العام والتأكد من خدمة المصلحة العامة.

أمثلة واقعية على النجاح في تغليب المصلحة العامة

في مقابل الأمثلة السلبية، هناك نماذج مشرفة لمسؤولين ومبادرات ركزت على المصلحة العامة. على سبيل المثال، المبادرات الملكية مثل "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" تهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وتعزيز التنمية المستدامة. ورغم التحديات، فإن هذه المبادرات تُظهر كيف يمكن لتغليب المصلحة العامة أن يساهم في تحسين حياة المواطنين.

خاتمة

تدبير الشأن العام مسؤولية جماعية تتطلب وعيًا ونضجًا من المسؤولين والمواطنين على حد سواء. لا يمكن بناء مجتمع عادل ومتوازن إذا ظل تدبير الشأن العام خاضعًا لمنطق المصلحة الذاتية. على الجميع أن يدرك أن المصلحة العامة ليست مجرد شعار، بل هي أساس بناء مجتمع مستدام ومتضامن. لتحقيق ذلك، لا بد من تعزيز قيم النزاهة والمساءلة، والعمل على نشر ثقافة تُقدّر الصالح العام فوق كل اعتبار.