في محيط محطة القطار بفاس، تتجلى مشاهد
قاسية تختصر مآسي مجتمع يعاني في صمت. هنا، يعيش أطفال فقدوا طفولتهم وشباب أمضوا
سنواتهم في مواجهة البرد القارس ليلا والحر اللاهب نهارا، يفترشون الورق المقوى
كسرير وحيد، ويقتاتون على البقايا التي يتركها الآخرون. هذه المشاهد المؤلمة تعكس
واقعا مأساويا يتجاوز الفقر، حيث يلتقي الإهمال بالاستغلال، لتتحول هذه الفئة إلى
ضحايا مجتمع لم يوفر لهم أبسط مقومات الحياة الكريمة.
لاصق "السيليسيون"
و"الدوليون" أصبحا رمزين لهذه المأساة، حيث يلجأ هؤلاء الأطفال والشباب
لاستنشاق هذه المواد المخدرة كوسيلة للهروب من الواقع القاسي، ليس الإدمان هنا
اختيارا بقدر ما هو نتيجة طبيعية لغياب الحاضن والداعم، ومع كل استنشاق، يغيب
الأمل شيئا فشيئا، ليحل مكانه شعور بالتيه والضياع.
لكن الإدمان ليس هو الخطر الوحيد الذي
يواجهونه، بل يعانون أيضا من التحرش والاستغلال، فوسط هذه البيئة الهشة، يتحول
العديد منهم إلى ضحايا لأفراد يستغلون ضعفهم وحاجتهم، سواء في أعمال غير قانونية
كالتسول والسرقة أو في استغلالهم الجسدي، هذه الانتهاكات تترك آثارا نفسية عميقة
تضيف إلى معاناتهم اليومية، وتعمّق شعورهم بالنبذ والظلم.
ورغم محاولات بعض الجمعيات المحلية
التدخل لتقديم المساعدة، تبقى هذه الجهود غير كافية أمام حجم الكارثة. غياب
التنسيق بين الجهات الحكومية والجمعيات، ونقص الإمكانيات المادية والبشرية، يحول
دون تحقيق نتائج ملموسة.
هؤلاء الأطفال بحاجة إلى أكثر من
مبادرات مؤقتة؛ يحتاجون إلى استراتيجيات شاملة وطويلة الأمد تركز على توفير مراكز
إيواء آمنة وبرامج إعادة تأهيل تساعدهم على التخلص من الإدمان وبناء حياتهم من
جديد.
إن معاناة أطفال وشباب محطة القطار
بفاس ليست مجرد أزمة اجتماعية عابرة؛ بل هي مسؤولية جماعية تستوجب تضافر الجهود
لإنقاذهم من هذا الواقع المرير، هؤلاء ليسوا مجرد أرقام، بل أرواح تحمل في طياتها
أحلاما دفنت تحت أنقاض الفقر والإهمال، وواجبنا أن نعيد لهم الأمل ونمنحهم فرصة
لحياة أفضل تليق بإنسانيتهم.