adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/01/22 - 3:13 م

عبدالإله الوزاني التهامي

مهما كانت اهتمامات الباحثين والدارسين والمؤرخين بحياة وإنتاجات المرحوم التهامي الوزاني، فإن البعض يعتبرها لا ترقى إلى المستوى اللآئق بمكانة الرجل وما أبدعته يمينه وصاغته مخيلته وأثمرته ذاكرته.

وبوقوفنا مع كتاب "الزاوية" فقط سنستخلص عبرا وعظات منيرة لكل من أراد كتابة سيرته الذاتية، لما تحتويه من منهجية ذكية في هذا المضمار.

تنحدر أسرة الوزاني من دار الشريف دار الضمانة، إحدى معاقل الأشراف الوزانيين العلميين بوادارس أحواز تطوان، حيث يوجد مقام أقرب أجداده سيدي محمد بن مولاي  العربي بن مولاي التهامي (بن مولاي محمد بن مولاي عبدالله الشريف الجد الأكبر للأشراف الوزانيين مؤسس الزاوية الوزانية)، القادم من وزان للاستقرار بهذه القبيلة المباركة التي والى سكانها هذا الشريف وتبركوا به ونصروا زاويته.

توفي سيدي التهامي الوزاني بتطاون يوم 22دسمبر 1972، ودفن بداره الكائنة بزنقة المقدم -درب شرفاء وزان- خلف القصر الملكي، بنفس المدينة.

وتعد العائلة الوزانية العريقة من جملة من ساهموا بقسط وافر في صياغة البنى الثقافية للتطاونيين منذ بزوغ العهد الزاهر لهذه المدينة الأندلسية الجميلة، وهذا راجع أولا إلى نوعية العادات والتقاليد الموروثة عن أصول وفروع الدوحة النبوية الشريفة ومنهم الأدارسة، الذين كان لهم الفضل الكبير في التربية الصوفية والأعمال الاجتماعية والأخلاق الإنسانية الرفيعة، كما أشار إلى ذلك الأديب عبدالقادر الشاوي في "الذات والسيرة"، وغيره،  ويرجع ذلك ثانيا إلى التموقع الجغرافي والديني لهذه العائلة بالمدينة. فهم من جهة يقطنون حارة محاذية لساحة الفدان شريان المدينة الرئيسي، ويتمركزون في قلب المدينة، من هذا الدرب كانت تعبق روائح مجالس الذكر والفكر والسماع والعلم، وفيه تنظم أمسيات المديح النبوي، وتعقد لقاءات الحضرة، وما يصاحب ذلك من أجواء الفرح والأنس بالله، وموائد الطيبات من الرزق.

كما كانت تتميز أفراح أهل دار الضمانة هاته كما أتراحهم عن بقية مكونات المجتمع التطاوني بما تمتاز به من خصائص مستوحاة من "تصوف الزاوية الوزانية ودار الضمانة" الشاذلية المشيشية، المبني على معاني الشكر والجمال.

هذا فضلا عما كانت تقوم به زاوية مولاي محمد -الزاوية الوزاني- بحي الطراكانة وسط المدينة من أنشطة في المواسم والأعياد وسائر الأيام، يسهر على تسييرها شرفاء وادراس وتطوان وغمارة.

وفي هذه الزاوية حظي سيدي التهامي باحترام وتقدير كبيرين من طرف كبار شرفاء غمارة نظير حبه وتواضعه وحكمته.

وبعدما رأى التهامي الوزاني نور الحياة في التاريخ سالف الذكر، شاء له الله تعالى أن ينشأ يتيما تربيه جدته لوالده فاطمة علوشة، وقد كان تأثيرها فيه كبيرا.

فكانت تحدثه عن عراقة أسرته الوزانية وعن تصوف وعلم أبنائها ومناصريها، كما تحدثه عن ملوك المغرب ورجاله والأولياء والصالحين.

وكانت هذه الجدة متأثرة بمشيخة أبيها الذي ذاع صيته في أحواز تطاون، و"اشتهر بأنه يعرف اسم الله العظيم الأعظم"، ويؤكد الشاوي أن "البيئة هي التي وجهت سيدي التهامي إلى الانقطاع للعبادة والتفرغ لما يطهر النفس."

في هذا العمر المبكر كان يعيش الوزاني حياة صوفية بحكم بيئته التي نشأ فيها، كما رأينا، وقرأ القرآن وحفظه في كتاب الفقيه أحمد بن حمزة، الكائن بالمشور، وكتاب الفقيه أحمد الفتوح الكائن فوق مدخل السوق الفوقي، وقد خص التهامي الوزاني بعناية خاصة تليق بفطنته المتوثبة وذكائه المتيقظ.

فوجه لحفظ الأجرومية والمرشد المعين وألفية ابن مالك والمختصر، واستفاد من دروس كثيرة تشمل علوما مختلفة.

وكانت للتهامي الوزاني خزانة خاصة يحتفظ فيها بكتب الآداب، ككتب "الروض الفائق في الوعظ"، و"التحفة المرضية"، و"المستطرف"، و"ثمرات الأوراق"، فأكب على قراءتها. وكانت حافزا له وسبيله للاستزادة من مطالعة كتب الأدب، ودفعه ذلك إلى أن يقتني لنفسه خزانة كتب، يشتريها ويدفع ثمنها أقساطا من مكتبة الحاج بن عبدالهادي القادي، وانصرف بعد هذه الدراسة الأولية لتلقي العلم على يد كبار العلماء والشيوخ، فحضر مجالس الفقيه ابن الأبار في المنطق بكتاب السلم، كما قرأ علوما أخرى مختلفة ليحصل على رصيد موسوعي يمكنه من محاورة معاصريه ومعايشة محيطه، وقرأ على يد الفقيه الرهوني الرسالة بمسجد العيون بتطاون أيضا، وقرأ بعض الكتب الصوفية المنتقاة وسير وكرامات بعض الأولياء ومشاهداتهم، فوجد فيها ضالته ومراده.

وتذكر أحاديث جدته عن الأولياء ومقاماتهم، مما جيش فيه حماسة البحث عن شيخ يدله على الله بمعاني اتصف بها شيوخ زاوية أجداده، وهي معاني الإحسان.

فبدأ يبحث بجد عن الشيخ الذي يقوده إلى الكمال الروحي ويوجهه في عالم المعرفة بالله -كما سنرى بشيء من التفصيل-.

 ودفعته ميوله وأشواقه هذه إلى الالتحاق بالزاوية الحراقية -باعتبارها صاحبة الوقت والنوبة- حيث كانت ذائعة الصيت في تلك الفترة من حياته، ووضع نفسه رهن إشارة شيخها السيد إدريس الحراق، فكان "دخول التهامي الوزاني الطريقة الحراقية هو بمثابة خروجه من تاريخه الفردي واندماجه في تاريخ الجماعة" -بتعبير عبدالقارد الشاوي-.

وقد انزوى ودخل الخلوة بهذه الزاوية مدة وتأثر بأنوارها الروحية أيما تأثر، كما تأثر تأثرا كبيرا بالسماع الصوفي وبالفن وبكل ما هو جميل.

ويعتبر كتابه المعروف في أوساط الأدباء والمفكرين الموسوم ب"الزاوية" ترجمة لسيرته الذاتية وكذلك للزاوية الحراقية ولشيخها الحراق.يتبع...