adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/01/20 - 12:58 م

عبدالإله الوزاني التهامي

لا يختلف عاقلان في حقيقة أن التهامي الوزاني يعتبر من "الرعيل الأول الذي آمن بمستقبل هذا الوطن، كما آمن برسالة مدينة تطاون في الجهاد الوطني من أجل الاستقلال والوحدة والحرية والكرامة، في الوقت الذي كانت فيه البلاد تئن تحت وطأة الاستعمار الغاشم، حيث كان من الرجال القلائل الذين اختاروا العمل الشاق في سلك الحركة الوطنية، وكان لهم الحظ الأوفر في صنع تاريخها المجيد، ذلك لأنه شارك في أحداثها وحوادثها وفي مواقفها وبطولتها من أول يوم بزغت فيه (الحركة الوطنية) إلى أن استقل المغرب، أي لمدة ثلاثة عقود.

وتشهد الوثائق الوطنية والاستعمارية على أنه كان من أبرز الزعماء الذين ناضلوا وجاهدوا وكافحوا وضحوا وعانوا وامتحنوا وأخلصوا، وهم بجانب مناضلين آخرين في الوقت الذي لم يكن أحد منهم يتوفر على سلاح آخر سوى الإيمان بعدالة قضية وطنهم، يخدمون ويجتهدون من أجل الاستقلال والوحدة والحرية والكرامة بعزيمة ثابتة وإخلاص تام للمبادئ والمثل العليا".

ومن جانب آخر، فقد عرف سيدي التهامي الوزاني الأشواق الروحية منذ طفولته المبكرة، يقول عن ذلك في سيرته الذاتية "الزاوية": "إني كنت صوفيا بطريقة الوراثة والنشأة، فلم يكن التصوف يحتاج إلى شيء كي يتسرب إلى قرارة قلبي، بل إنني وجدت فيه من أول يوم استنشقت فيه نسيم الدنيا".

إن تصوف سيدي التهامي الوزاني متميز  بنوعية خاصة، فيه استمرار للتصوف الذي عرفته تطوان على امتداد تاريخها، وفيه تصوف جديد، يعبد الله في الزاوية، ومقر الحزب، والجريدة، وفي المدرسة والمعهد والكلية، وفي رئاسة المجلس البلدي.

تصوف يجمع بين الدين والدنيا، بين الجمال والجلال، بين التقوى والعبادة وطهارة النفس، وبين الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال، وفي سبيل نشر التعليم وتكوين الأجيال وإصلاح المجتمع.

تصوف الوزاني ودخل طريق القوم بقلبه وقالبه، وأخضع ذاته لتجارب نفسية عسيرة، وامتحانات روحية شاقة.

وهكذا امتلأ قلب الناشئ الصغير بحب أهل الله وتوقيرهم وتعظيمهم، ثم اشتغل فترة بطلب العلم، ورغم ما كان يجده من سهولة ويسر في فهم المسائل العلمية التي كان رفقاؤه من التلاميذ يجدون عسرا ومشقة، فإنه ما لبث بعد حماسه الشديد وإقباله الكلي على حضوره مجالس العلم أن عزفت نفسه عما كان فيها من جفاف. إذ لم يجد فيها ذلك الغذاء الروحي وتلك المتعة القلبية التي كان يبحث عنها ويتطلع إليها.

فمال إلى كتب الوعظ والتصوف، وأخذ يحاسب نفسه وهو لم يبلغ الخامسة عشرة على ما هو فيه من غفلة وإعراض عن الله وتفريط في جنبه.

وظلت مشاعر الألم والقلق والتأنيب تساوره الحين بعد الحين والفترة بعد الفترة، حتى أصبحت وسواسا لا يفارقه، ولا يجد تسلية إلا في الرجوع إلى كتب التصوف وأخبار أهل الله. وتطلع إلى شيخ يأخذ بيده ويسلك به سبيل النجاة. والتحق بالزاوية الحراقية وعاش في جوها حقبة من الزمن، يعتبرها أسعد حقب حياته، وهي التي سجلها في كتابه "الزاوية".

عاش سيدي التهامي  في عالم من العبادة والذكر والمذاكرة والمحبة، ورياضة النفس والتسامي بها في مراتب الطهر والكمال".

ازداد سيدي التهامي يوم الإثنين 2صفر 1322ه- المرافق ل18 أبريل 1905م بمدينة تطوان، في وقت حصار قبائل الجبال لهذه المدينة، عندما تمكنت من هذه القبائل دعوة أبي حمارة، وكان أخطر تلك الأيام على تطوان يوم عقيقة سيدي التهامي الوزاني، أي يوم 9 صفر.

وشاءت الأقدار أن يعمر هذا الرجل على وجه هذه البسيطة، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، سبعة وخمسون عاما، قضاها في أحضان أسرته الشريفة وبين رفوف خزانات الكتب وفي مجالس الفقهاء والمشايخ، ينهل من معين التربية والتعليم والمريدية.

كما قضاها منهمكا في العمل السياسي الوطني جنبا إلى جنب مع رواد الحركة الوطنية بالشمال.

هذا إلى جانب تفرغه للأعمال والإنتاجات الفكرية والأدبية الغزيرة، وبكلمة واحدة، فإن هذه المدة الوجيزة التي قضاها الشريف سيدي التهامي بين أظهر معاصريه، ضئيلة إذا ما قورنت بالكم والنوع الهائلين من الإنجازات التي حققها لصالح جيله والأجيال اللآحقة بعده، تخص الأدب والتاريخ والتصوف والسياسة، ولا أدل على ذلك كتاباته ومؤلفاته التي لازالت بكرا ومادة خامة، هذا إضافة إلى نوعية علاقاته التي نسجها مع رجالات عصره المرموقين.

ويعتبر هذا الرجل بحق "رجل المواقف الحاسمة" على حد تعبير المؤرخ ابن عزوز حكيم، الشاهد على ما قدمه  للحركة الوطنية من خدمة سجلها له التاريخ بمداد من الموضوعية المجردة.

ويعد سيدي التهامي الوزاني من أهم رجالات تطاون القرن العشرين، الذين أثروا الساحة الثقافية المغربية في مجالات متنوعة، وعلى رأسها المجال الصوفي والأدبي والسياسي، وقد أولى الترجمة من وإلى  الثقافتين المغربية والإسبانية اهتماما لائقا بهما، وقام بترجمة بعض الكتابات الإسبانية، إيمانا منه بأهمية الترجمة في عملية التنوير، وكان يحث على التسلح بقيم العلم والمعرفة المتعلقة بالتواصل الثقافي مع جارتنا الشمالية.

ورسالته هاته استهدفت بالخصوص معاصريه من النخبة المحلية والوطنية والدولية، وأجيالنا الحالية في أمس الحاجة إليها، لما لذلك من أهمية بالغة في نسج خيوط الحوار بين الجارتين على قواعد متوازنة. يتبع...