بقلم الأستاذ حميد طولست
كم يعجبني الشّخص الذي حين تبتسم له،
يردّ عليك بابتسامة أعرض منها، هذا الصنف من البشر هو الذي نودّ لو أنّ لهم
أشباهاً كثيرة في حياتنا نحن الذين حولتنا ضغوط الحياة إلى أشخاص لا تشبه أنفسهم
ما كانت عليه بالأمس القريب ، حيث أصبحت أبسط المواقف تغضِبهم ، وأتفه الكلمات
تستفزنهم ،وحين يختلفون يفسد اختلافهم كل قضايا الود ، ويكُفون عن انتظار أي شيء
من أي أحد ، وينصرفون عن بعضهم .
لا تسألوا عن سبب التغيير ، فأنتم أعلم أنه لا الصعاب ولا ولا الآلام ولا حتى النكبات بقادرة على تحويل الإنسان إلى سلعة أقل قداسة ، فيها المصلحة الفردية أسمى من الخير العام. ، فليس هناك ما يغير أحوال الناس أكثر من تعرضهم للأذى المُتعَمَّد والقسوة الوَقِحة ، وصعوبات اجتياز دروس الحياة ومفاجآتها الغير المتوقعة ، وفرط ما تسببه لحظاتها من الضعف والوحدة والألم الذي يُعلم المبتلى في مشاعره وقلبه ، قسوة التخلي عن كل شيء ليفوز بنفسه ، أو بالمتبقي منها الذي لم تهدره النظرة القاسية المؤلمة ، والصَوت المرتفع ، والأسلوب الغليظ الذي يُشعر بالشدة والحرج، والكلمة التي لا يُلقى لها بال ، فتكون فتعرق القلب في الشعور بالوحدة واللانتماء الذي يجعل المرء غريبًا عن ذاته وجوهره الإنساني وباقي علاقاته الاجتماعية التي لم يعد الدين فيها رسالة روحانية، وغدا مجرد منتجًا للتسويق ، وأداة للربح ، وسلعة تُباع في أسواق الفساد الديني ، والفساد التربوي ، والفساد الأخلاقي ، والفساد الصحي ، والفساد الاجتماعي ، وغيرها من الفسادات التي يتجاهلها علية القوم بالتنافس على "التريند" بدل صناعة الإنسان وتحريره من السيطرة المطلقة ، التي يصعب معها على الإنسان أن يكون واعياً لما حوله ، يعرف متى يلين وكيف يلين، ولمن يخفض الجناح حين تنقطع أيدي الخير، ومتى يطيل النظر حين يغض الطرف أولئك الذين يرونه غريبا ، ومتى يبوح حين يصمم على السكوت أولئك الذين يعتبرونه مختلفا وربما متخلفاً أو غير مقبول بينهم بسبب رؤاه وتعاطيه مع الأحداث ونظرته الثاقبة لها وبُعد رؤيته الفكرية المنطقية العميقة نحو مجتمعه، التي قد تؤدي به إلي التغيير الإيجابي ، لو تم التعامل معه وفيه بعيدا عن سطحية ضعاف العقول ، وسذاجتهم غير المعقولة ، وتقليديتهم المرفوضة ، وانقياديتهم التي تعمي بصيرتهم حتى لا يدركوا طبيعة الظلم الواقع عليهم، فتبقون أسيرى للواقع الذي لا يحرك وعيا جماعي ، ولا يشعل ثورة ، والذي يصبح معه التحرر مستحيلًا ، إلا عبر وعي الإنسان بحقيقته ، واستعادة إنسانيته،التي تبقى الأمل الوحيد لصناعة المستقبل الواعد والأكثر عدالة، والمغاير لهذه الحقبة الزمنية التي اختلف فيها كل الموازين والمكناة بالقرن الواحد والعشرين ، الذي يجلب كل ما فيه المآسي و التشاؤم والإكتئاب ويضع الإنسان أمام حقيقة وقحة هي أنه كائن وضيع لا قيمة له ، أمام المال الذي أصبح فيه أهم من الإنسان والعائلة والوطن والخلاق.