يخلد الشعب المغربي وفي طليعته أسرة
المقاومة وجيش التحرير، اليوم السبت، الذكرى الـ67 لانتفاضة قبائل آيت باعمران ضد
المستعمر الإسباني، الملحمة الوطنية البارزة والمفصلية في مسار الكفاح الوطني.
وتعد هذه الذكرى التي تخلدها ساكنة
إقليم سيدي إفني وفي طليعتها أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، ملحمة
تاريخية مشرقة ووازنة في مسار الكفاح الوطني من أجل استكمال الاستقلال الوطني
وتحقيق الوحدة الترابية والدفاع عن مقدسات البلاد وثوابتها.
فذكرى 23 نونبر 1957، التي تتزامن مع
الذكرى 68 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي، تعد يوما خالدا في تاريخ
المغرب حينما انتفضت قبائل آيت باعمران ضد الوجود الأجنبي والتسلط الاستعماري،
مواصلة مواقفها الوطنية لتدخل في معارك طاحنة لقنت خلالها المحتل الأجنبي دروسا في
الوطنية والنضال والتضحية.
وشهد هذا اليوم هجومات مركزة على 16
مركزا إسبانيا في آن واحد، تراجع على إثرها الجنود الإسبان إلى الوراء ليتحصنوا
بمدينة سيدي إفني. وقد دامت هذه المعارك البطولية حتى يوم 12 دجنبر من نفس السنة،
تكبدت خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد بالرغم من قلة
عدد المجاهدين الباعمرانيين ومحدودية إمكانياتهم.
في تصريح لوكالة المغرب العربي
للأنباء، قال النائب الإقليمي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بإقليم سيدي
إفني، المختار إدريسي، إن ذكرى انتفاضة قبائل آيت باعمران تعد ملحمة تاريخية مشرقة
ووازنة في مسار الكفاح الوطني من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة
الترابية والدفاع عن مقدسات البلاد وثوابتها.
وأبرز إدريسي، أن هذه الذكرى هي حدث
تاريخي جيلي يتوارثه جيل عن جيل، باعتبارها محطة تاريخية ذات دلالات عميقة وإشارات
دالة على حدث يؤرخ لصفحات مشرقة من النضال المغربي من أجل استكمال الاستقلال
الوطني وتحقيق الوحدة الترابية للمملكة، مضيفا أن هذه الملحمة هي محطة فاصلة بين
عهدين متناقضين هما عهد الاستعمار والاستعباد والاستبداد، وعهد الحرية والاستقلال
والنماء والتقدم. وفي استرجاع تاريخي لمسارات ومراحل هذه الانتفاضة، فقد شن
الباعمرانيون في 23 نونبر من سنة 1957، انتفاضتهم الكبرى ضد الإسبان بعدما تأججت
المقاومة بمنطقة سيدي إفني واندلعت عدة معارك، فحققت هذه الانتفاضة انتصارات في
عدة مناطق منها تبلكوكت، وسيدي محند بن داوود، وبيزري وبورصاص، وبيجاريفن، وتيوغزة
وصبويا وغيرها، أجبرت القوات الإسبانية على التقهقر إلى مركز سيدي إفني الذي أصبح
بمثابة ثكنة عسكرية كبرى محاصرة.
وقد جاءت هذه الانتفاضة بعد تنسيق محكم
بين قبائل آيت باعمران وقيادة جيش التحرير بمدينة كلميم، فاستمرت المقاومة والجهاد
من خلال عدة محطات أهمها محاربة التجنيس التي حاولت السلطات الإسبانية أن تفرضه
على سكان هذه القبائل لطمس هويتهم الدينية والوطنية، فانتفض كل الباعمرانيين ضد
هذه المحاولة التي اعتبروها ضربا في وطنهم وهويتهم المغربية وديانتهم الإسلامية.
وعلى الرغم من جميع أنواع القمع
والاضطهاد التي تعرض لها أبناء هذه الربوع المجاهدة، فإن شعلة المقاومة لم تخمد
وتكونت خلايا سرية استقطبت أبناء المنطقة إثر أحداث 20 غشت 1953 غداة نفي بطل
التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن
الثاني والأسرة الملكية الشريفة.
وعندما عاد الملك الراحل محمد الخامس
من المنفى وأعلن عن استقلال المغرب ولم يتم الإعلان عن استقلال سيدي إفني، قام
أهالي آيت باعمران بالرغم من ذلك بالتحضير، للاحتفال بعيد العرش وبالعودة المظفرة
للمغفور له محمد الخامس ، إلا أن السلطات الاستعمارية الإسبانية واجهت هذه المحاولات
بالقمع والتنكيل والنفي إلى جزر الخالدات. كل هذا ولد الضغط، فتم التخطيط لانتفاضة
آيت باعمران يوم 23 نونبر 1957 من طرف قيادات جيش التحرير، مما أدى إلى تأجيج
المقاومة بمنطقة سيدي إفني التي أصبحت نقطة انطلاق عمليات جيش التحرير وهجوماته،
فاندلعت عدة معارك كمعركة الرغيوة في 13 فبراير 1957 ليشن الباعمرانيون بعد ذلك
انتفاضتهم الكبرى ضد الإسبان (23 نونبر).
لقد كانت منطقة سيدي إفني بحكم موقعها
الاستراتيجي محط أطماع استعمارية نظرا لكونها بوابة بحرية مؤهلة للإنزال العسكري
والعمليات الحربية ولطبيعة أرضها الصالحة لهبوط الطائرات وتضاريسها التي تجعل منها
حصنا يطل على امتدادات شاسعة من عمق تراب آيت باعمران والأقاليم الجنوبية عموما،
ولذلك حطت بها جيوش الاحتلال كل ثقلها منذ سنة 1934 وعززت وجودها بكثافة في هذه
المنطقة. كما عملت قوات المستعمر على إضفاء وظيفة سياسية وإدارية على هذه المدينة
عندما أعلنتها “منطقة إسبانية” وجعلتها مقرا للحاكم العام، بيد أن انتفاضة قبائل
آيت باعمران سنة 1957 جعلتها تغدو مجرد قوات تحت الحصار فيما يشبه ثكنة عسكرية.
وتبقى انتفاضة قبائل آيت باعمران معلمة
بارزة في تاريخ الكفاح الوطني، وستظل شاهدة على تشبث أبناء هذه القبائل المكافحة
بمقدسات الأمة المغربية، وتعلقهم الدائم بالعرش العلوي المجيد، وجهادهم الخالد
لمواجهة قوات جيش الاحتلال الأجنبي التي كانت تهدف إلى تفكيك أواصر الوحدة وزرع
التفرقة في كيان الأمة الموحدة.
وبهذه المناسبة الوطنية، أعدت النيابة
الإقليمية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بسيدي إفني، برنامجا احتفاليا
يتضمن مهرجانا خطابيا يوم 23 نونبر الجاري، تلقى خلاله كلمات وشهادات تستحضر
الدلالات العميقة لهذه الذكرى الخالدة. كما سيتم تكريم صفوة من قدماء المقاومين
وأعضاء جيش التحرير، وتوزيع إعانات مادية وإسعافات اجتماعية على مجموعة من
المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير بالإقليم.
و م ع