بقلم الأستاذ
حميد طولست
إن قضية الدعوة للهجرة التي أكتسحت المشهد العام سريعا ودون سابق إشعار ، هي بلا شك قضية مثيرة للجدل وتستقطب الآراء المختلفة والتعليقات المتباينة الساخنة التي يصعب تحليلها بشكل شامل ، في ظل شح المعلومات الدقيقة حول دوافعها وتعقد مسبباتها ، واختلاف أبعادها وتعدد مخاطرها، وتحتاج إلى ترتيب الأوراق الخاصة بها ، وغربلة المعلومات التي تمكن من الإجابة عن التساؤلات والاستفهامات التي تفرض نفسها حول العوامل التي وراء ظهورها في هذا التوقيت بالتحديد ، وهذه الظروف المحلية والإقليمية وتأثيراتها الخفية و المعلنة ، والتي قد تكون نتيجة لليأس من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، والاجتماعي ، أو كرد فعل على الإحباط المتزايد من الأوضاع المعيشية ، والمشكلات الاقتصادية الهيكلية كالبطالة المرتفعة في المناطق الشمالية للبلاد، خصوصًا تطوان والفنيدق والمضيق، التي عانت لسنوات طويلة مع تراجع النشاط التجاري غير النظامي الذي كان يشكل مصدر رزق للكثيرين في بين سبتة والمغرب، والذي زاد من حدة الفقر والبطالة، التي جعلت الأمل في تحسن الأوضاع يتضاءل ، وتضيق مع تضاؤله الآفاق ، ما يفسح المجال لمثل هذه الدعوات التي تغري الشباب المغربي للسباحة نحو سبتة في 15 سبتمبر 2024 ، والتي انتشرت بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، واستقطبت اهتمامًا واسعًا وتفاعلاً كبيرًا ، مثيرة للمخاوف الكبيرة التي تحتاج إلى تحليل عميق ومتأنٍ لتقييم مدى جدية الأسباب والدوافع المتداولة المخاطر المحتملة لهذه الدعوات المروجة عبر الفيديوهات المبثوثة على "التيك توك" والتي لقيت صدى واسعا دفع بالعديد من المراهقين والشباب للتفكير في المجازفة بحياتهم عبر البحر، وتشجيع بعض الأسر لأبنائهم على الهجرة،بدعوى تحسين الأوضاع المعيشية، ما زاد الأمر تعقيدا ودفع بالسلطات المغربية للاستجابة السريعة لاحتواء الوضع، بتحذير المتورطين في الترويج لهذه الدعوات، من العواقب القانونية لمثل هذه التحركات التي تؤدي إلى تعريض حياة الشباب للخطر دون فائدة حقيقية تم بتوقيف بعضهم ، في انتظار الحل الفعّال لمعالجة أسبات ودوافع كل الهجرات ، الفردية أو الجماعية ، التي يُلجأ إليها كرد فعل يائس أمام غياب إصلاح و تحسين الأوضاع المعيشية، التي لا يمكن أن تنصلح إلا من خلال تعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل كافية لشباب المناطق الشمالية للمغرب والتقليل من البطالة والفقر بالاستثمار في القطاعات الإنتاجية التي يمكن أن تخلق فرصًا مستدامة ، مثل الزراعة، والصناعات المحلية، والسياحة، ثم العمل على تنمية وتطوير المهارات التقنية للشباب وتوفير برامج تدريبية مهنية وتعليمية تلبي احتياجات سوق العمل ،و تمكن من خلق فرص العمل في الداخل ، بدلاً البحث عنها في خارج البلاد ، إلى جانب تطبيق الإصلاحات السياسية المحلية الضرورية التي تجعل مؤسسات الدولة والمجالس المحلية أكثر استجابة لاحتياجات المواطنين ، الذين يج إشراكهم في صنع القرار المحلي الذي يعزز ثقتهم بالنظام السياسي ، ويمنحهم الشعور بأنهم جزء من الحل ، وليسوا مجرد ضحايا له ، ويقلل من الاعتماد على الهجرة عبر البحر ، التي أصبح من الضروري حمايتهم من مخاطرها ، بالتعاون مع الإسبانية على إيجاد حلول مشتركة لمشكلة الهجرة غير النظامية ، والحد من قبضتها ، كخيار وحيد لتحسين مستقبل الشباب ، وتغيير الصورة السائد عنها ، وإعادة صياغة الخطابات المزعومة عنها التي تعرض حياة الشباب للمخاطر ...