بقلم الأستاذ
حميد طولست
تُعد الأشجار
والنباتات في المغرب جزءًا لا يتجزأ من هوية البلاد وتراثها الطبيعي. فهي تُسهم في
التنوع البيولوجي وتُوفر فوائد اقتصادية وصحية وثقافية. ولضمان استدامة هذه الثروة
الطبيعية، يجب علينا جميعًا أن ندرك مدى أهميته التشجير وتأثيره على البيئة، وأن
نتدبر مساهمته في تحسين جمالية مناطق عيشنا وخفض درجات حرارتها وامتصاص ما انتشر
بها من ثاني أكسيد الكربون ، واستبداله بالأوكسجين المنعش ، وتوفيرها للظلال
ومكافحة التصحر، بخلاف النخلة التي لا تظلل حتى نفسها ، ولا تنتج ما يكفيها من
الأكسجين ، ولا تصلح إلا للصحاري والقفار ، المهد تواجدها والذي تجد نفسها فيه
راسخة رسوخ الجبال، شامخة شموخ الأبطال ، ووطنها الأصيل الذي يحبها أصحابه و
ويهواها به من يرى قوامها الممشوق، وعقودها الدانية، والتي لا يليق حرمانهم منه
وإقحامها في مناطق اعتادت على أشجار الكرم والعنب والكرز والتوت والزيتون والتغزاز
والصنوبر والزيزفزن و الأكاسيا ، وغيرها من مزروعات المدن والبراري الرائعة التي
يشعر النخل بينها بالغربة كتلك التي عاشتها نخلة عبد الرحمن الداخل التي رآها
بالرصافة البعيدة عن وطنها، والذي أثار في نفسه من الشجونَ والذي عبر عنه بقول:
تبدت لنا وسط
الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب
عن بلد النخل
فقلت شبيهي في
التغرب والنوى
وطول التنائي عن
بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت
فيها غريبة
فمثلك في الإقصاء
والمنتأى مثلي
نخلة واحدة فريدة
ذكّرت الأميرَ بوطنه الذي تغرّب عنه ، فما بالك برتل نخيل دخيلة متعانقة في
تزاحــم لا متناه للأفق ، وامتدادت تحجب البحر والجبل ، في تواطأ صريح على تغريبنا
بعنف وهمجية من طرازنا المغربي ومغروساتنا الرائعة المجملة لكل فضاء تزرع به ،إلى
جانب دعمها الأشجار المدعم للاقتصاد المحلي الموفرة للموارد الاقتصادية المتنوعة
مثل الأخشاب والفواكه والأعشاب الطبية،
وليست زراعة
الأشجار استثمارًا في البيئة فقط، بل هي أيضًا استثمار في صحة ورفاهية المجتمعات.
فهي تعزز من جودة الهواء الذي نتنفسه، وتوفر الظلال التي تقلل من درجات الحرارة،
وتساهم في تقليل التلوث الضوضائي والعواصف الترابية. بما تخلقه الأشجار من بيئات
جمالية تحسن من الحالة النفسية للأفراد، وتوفر مساحات للتنزه وممارسة الرياضة
المعززة للصحة العامة للسكان، وتحسين نوعية الحياة للأجيال الحالية والقادمة.
وتحضرني
بالمناسبة قصة امرأة صينية في 67 من عمرها استثمرت مالها وممتلكاتها وجهدها ووقتها
في تشجير صحراء قاحلة في مقاطعة منغوليا الداخلية بشمال الصين ، حيث قامت بزراعة 2
مليون شجرة خلال 12 عام ، فنجحت في تغييّر مناخ المنطقة وجلب الأمطار وتنويع
الزراعة ، ولاشك أن أولوية التشجير ودرجة أهميته تعادل أهمية توفير الماء
والغذاء في كل المناطق التي تفتقر إليه،
بفضل مثل هذه المبادرات الوطنية وإرادة وتصميم تلك المرأة الصينية..
التشجير إذن هو
مسؤولية الجميع حكومة ومواطنين، فلنزرع أشجارا حسب الاستطاعة بالشارع أو بالبيت -
بالمدرسة -بالجامع- بدائرة حكومية- بمكان الشغل- لنزرعها قدر ما نستطيع في أي مكان، ولا نتقاعس عن ذلك ،
ولا نتحجج بأي عذر كيف ما كان ، لأن درجات الحرارة المرتقبة بعد الخمس سنوات
القادمة ،ستصل إلى مستويات مخيفة
فهلموا بنا جميعا نزرع الأشجار لوجه الله ، كل حسب قدرته ، حتى نجعل من مغربنا واحة من الخضرة والزهور والخمائل تسجع عليها الحمائم وتغرد فوقها الطيور ويتفيأ تحت ظلالها الوارفة الإنسان والحيوان ، ونغنم بذلك الأجر العظيم.