بقلم الأستاذ حميد طولست
العظماء لا يموتون بشكل كامل، ولكن يرحلون جسديا فقط ، وتستمر ذكراهم
وتأثيرهم من خلال إرثهم وأعمالهم التي تبقى خالدة حتى بعد رحيلهم الجسدي ، سواء
كان أولئك العظماء علماء أو مفكرين أو فنانين أو قادة سياسيين بما تركوه من بصمة
دائمة في حياة الناس والمجتمع ، كما كان حال المرحوم الأستاذ محمد الخالدي، الذي
كان –قيد حياته- رؤيويًا في تفكيره وإيمانه بأن الاستمرار في العيش وفق أفكار أو
قيم قديمة لا تتماشى مع الحاضر ، هو موت روحي وفكري يعكس تخلفا في فهم حقيقة
الحياة تطورها، واعتقاده بأن عدم مواكبة ما يطرأ عليها من تغيرات ، سواء على
المستوى الفكري أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو الديني، يمنع الإنسان من النمو والتجدد، و يحد من إمكانيات تحرره من
القيود الفكرية التي تعيق تكيفه مع متطلبات الزمن المعاصر من خلال التفكير النقدي
المفتوح على آفاق التجديد والابتكار والعطاء والتضحية المساهمة في حياة ذات قيمة
أعمق وثراء روحي أكبر ، بعيدة عن مبدأ السعي وراء الأنانية أو الحفاظ على الذات
المؤدي إلى فقدان جوهر الحياة الأعمق والأكثر معنى، المبنية على التجدد والنمو المستمرين، التي
تتطلب شجاعة كبيرة للتخلي عن كل ما هو أناني ، من أجل العيش بحرية أكبر ووعي أعمق
، الذي كرس المرحوم عمره لتحقيقه ، ليس من أجل
الحفاظ على ذاتيته بأي ثمن ، والذي كان عنده بمثابة موت روحي وفكري ، وإنما
من أجل والأهداف والقيم السامية
الاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى الدينية ، المرتبطة بشكل عميق بفكرة التجديد
والابتعاد عن الجمود والخمول الفكري الذي انتقده طيلة حياته ودعا إلى التفاعل مع
الحياة بأفكار جديدة ومتجددة، لأن الحياة بالنسبة له ، لا تُعاش بمعزل عن الفكر
وتجديده الذي يعيد إحياء الذات ويمددها
لتغطي معانٍ عميقة تتعلق بالوعي والتجربة الإنسانية، والموقف من القيم الاجتماعية
والثقافية والتصورات المتنوعة حول الموت بمعناه الفيزيائي، الذي يقتحمه العظماء أمثال
الفقيد محمد الخالدي الذي سيخلد في
الذاكرة الجماعية للأحياء ، رغم رحيله الجسدي ، بما تركه من بصمة عميقة وتأثير
مستمر في إلهام القلوب ، وتوجيه الأفكار
التي ستظل حيّة في العقول، وكأنه لم يغادر أبدًا.
وفي الختام أسأل واسع المغفرة وكريم العطاء، أن يرحم عبده محمد الخالدي
ويغفر له، ويسكنه فسيح جناتك ،ويجعل الخير الذي زرعه في الناس صدقة جارية له،
ويحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
اللهم لا تحرمه من رحمتك، واجعل له نصيباً في جنتك، وأكرمه بالنظر إلى وجهك الكريم إنه كان من الطيبين. آمين.