بقلم الأستاذ حميد طولست
أثارت القرارات والإجراءات التي اتخذها
الركراكي لتدبير شان مباراة المغرب الغابون جدلاً واسعاً ، بعد أن فهمت في الوسط
الكروي على أنها تمييز وتفضيل لبعض لاعبي المنتخب المغربي على بعض آخر، والفكرة
التي تباينت حولها -على وسائل التواصل الاجتماعي - الآراء وتنوعت التعليقات التي
كانت بنكهة الانتقاد الساخن، الذي علت نبرته أحيانا وخرج في بعضه عن النص عطفاً
على حجم التضاد والاختلاف في وجهات النظر غير المتوافقة لا فكراً ولا اتجاهاً ،
لاختلاف زاوية رؤية كل منتقد ، وعلاقته أو اقترانه بالقضية أو وجوده في مرماها
بدافع الغيرة والانتماء ..
صحيح أن الانتقاد لا ينتقص من قدر
الأشخاص ، ولا يفسد للود قضية - كما يقولون- بشرط ألا يحيد عن دائرة الأدب
والاحترام وألا يكون بغرض التجريح أو التشهير أو التحريض أو التربص بالأشخاص، بإدراكٍ
أو بدون وعي لتبعات مفعول ذلك السلوك الذي يكون أحياناً كثيرة عكسي وخطير ، كونه
لا يهدف لتبادل الرأي والرأي الآخر وفق الإطار الودي المتعارف عليه، ولا يسهم في
خدمة المصلحة العامة وتنمية مكتسباتها بنية صادقة هادفة إلى البناء والارتقاء بأي
عمل وتطويره لتغذية المصلحة وتعزيزها من أجل تحقيق المنشود منها ، كما حدث مع
مباراة المنتخب الوطني والمنتخب الكونغولي ، التي فاز فيها المنتخب المغربي بفضل
التشكيلة التي اختار لها المدرب الركراكي لاعبين معينين وترك غيرهم على مقاعد
الانتظار ، التصرف الذي
لا يمكن أن تجتمع حوله الجماهير
الرياضية ، في ظل اعتياد الوسط الرياضي على معايشة ثقافة اختلاف مبادئ الأفراد
،وتباين توجهاتهم ،وتنوّع قناعاتهم ،
وتشبث الكثيرين منهم بالأفكار المسبقة التي لا يقبلون عنها بديلا أو تغيرا أو
مراجعة ، ويتمسكون بنظرتهم الضيقة المشحونة بالتردد والتشكيك في كل المبادرات
والمتغيرات ، والتي اعتادوا ألا ينظروا إليها إلا من الزوايا المعتمة التي لا تبيح
التفاعل مع الواقع الحالي ، ولا تسمح بمواكبة تسارع أحداث المشهد الكروي
ومستحدثاته ، التي تأتي انسجاماً وتفاعلاً مع النتائج والمستويات المأمولة ، والتي
تخرج بها الفرق خلال استحقاقاتها المختلفة ، والتي للمعنيين بأمور الشؤون
استراتيجيات اللعبة التقنية والفنية نظرة مختلفة لما تتخيله جماهير المشجعة ، وعلى
رأسهم المدرب ،كونه على بصيرة بأمور كل مباراة وشؤونها التي يقيسها وفقاً لمخرجات
وأرقام معينة، تدفعه إلى الإحلال أو الاستبدال الذي يرى فيه الحل لتحسين مسار
المباريات، والأمر الذي هو عرف سائد في
عالم المستديرة، إذ إن إجراء التغيير أو الإقصاء، يعد الأداة السهلة لإبعاد الضغوط
وتشتيت كرة الذم واللوم عن مركز القرار، وهي ممارسة مسلم بها ومألوفة ، يكون لها
أثر إيجابي في تحسين النتائج وتدوير الوضع للأفضل، وقد يحدث العكس أحيانا.
ومع كل هذا وذاك ،تبقى المنافسة مشروعة ومكفولة بين جماهير الأندية، ومن حق كل فئة أن تتباهى بلاعبيها المفضلين وتتغنى متفاخرةً بهم، مثلما لها الحق أيضاً بأن تدافع وتتصدى للمثبطين والشامتين بها ، بعيدا عن الانتقادات الحادة ، التي وجد الركراكي نفسه في مرماها ، والتي ما هي إلا انتقادات غير مبررة وغير مجردة ، ومن الحكمة والبصيرة احتواءها قبل أن تخرج عن إطار النقاش والجدال المحترم الذي لا يخوض في الذمم والأخلاق ، وإنهاء مجراها عند ما يقود إلى المنفعة العامة ، بعيدا عن التجريح وإضاعة الوقت .