بقلم الأستاذ
حميد طولست
بعد النهضة
الثقافية والفنية المتجسدة في الحوار والتسامح والانفتاح على التعدد اللغوي
والثقافي والفني الوطني والكوني ، التي عرفتها الأمازيغية ، بدءً من خطاب أجدير
التاريخي (17 أكتوبر 2001) ، وبعده اعتماد دستور المملكة (سنة 2011) لها كلغة
رسمية ، وإقرار جلالة الملك رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية (3 ماي 2023)،
ومرورا بوضع البنك المركزي المغربي للحرف الأمازيغي "تيفيناغ" على
القطعة النقدية التذكارية الفضية من فئة 250 درهما، إلى جانب إقدام شركة غوغل (Google) على إضافة
الأمازيغية إلى قائمة اللغات المتاحة للترجمة الآلية بحرف تيفيناغ والحرف اللاتيني
، ومكنت المهتمين بها ، من الوصول بسهولة إلى المحتوى الرقمي والمعلوماتي على
الإنترنت بطريقة أكثر فعالية ، من خلال الترجمة الأوتوماتيكية بحرف تيفيناغ .
وغيرها كثير من
الخطوات الإيجابية الجبارة ، والمكتسبات الهامة التي حظيت بها الأمازيغية ، كدليلا
على الاهتمام الكبير لجلالة الملك محمد السادس بالهوية الأمازيغية المغربية ،
وخطوة هامة وشجاعة لإنصافها ، والاعتراف بها ، وتفعيل طابعها الرسمي ، وإجراءً
تاريخيا جبارا لزيادة منسوب الوعي اللغوي والثقافي بها لدى مختلف مكونات المجتمع
المغربي ، ومساهمة فعالة في تطوير تراثها
والحفاظ عليه ، ونقلها للأجيال القادمة ، كوسيلة للتواصل والتفاعل بين ثقافة
المجتمع الأمازيغي المغربي ، وثقافات الشعوب الأخرى.
بعد كل هذه
الإنجازات ، وتلك المكتسبات، تأتي الخطابات العنصرية المستفزة للمغاربة ، التي
تستقي مضمونھا من أيديولوجية القومية العربية العنصرية، وحقد الإسلام السياسي القومي المتطرف ،
وكراهية المستعربين الجدد الذين يتمنون أن
يكونوا امتدادا للذين طمسوا كل أثر للأمازيغ في البلاد ، لتقلل من قيمة الأمازيغية
، وتشوه صورة الإنسان الأمازيغي المسالم ، فقط لأنه إنسان يحب الحرية ولا يرضى
بالظلم والاستعباد .
من هنا يمكن
القول، انطلاقا من متابعتي الدقيقة ، بأن الكثير من الاستسهال والإسهال الفيسبوكي
، الذي نشر ، وينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول الأمازيغ والأمازيغية ، والذي لم تضرب لوثته العوام فقط ، بل شمل
جنونه ، الذي ليس بمجرد كلام للاستهلاك ، الكثير من المثقفين والمشاهير ، كتوجه
مثقل بشحنات تمييزية عنصرية إقصائية للهوية المغربية الامازيغية ، التوجه الذي
يطلع علينا صباح ومساء في شكل تصريحات جلية الاستفزاز ، كالتصريح المذل ، الذي
أدلى به المدرب الوطني طارق السكتيوي ، عقب تتويج المنتخب الأولمبي المغربي
بالميدالية البرونزية في الألعاب الأولمبية باريس 2024، والذي جاء فيه : "إن
هذا الإنجاز هو إنجاز للعرب وإنجاز للكرة العربية والمدرب العربي ومبروك للعرب
كاملين" ، التصريح الذي لم يذكر فيه الأمازيغ ولو مرة واحدة طيلة الأولمبياد
، رغم أن الفوز كان إنجازا مغربيا أمازيغيا، وأنجزه منتخب أولمبي مغربي أمازيغي ،
يمثل لاعبوه وطنهم وشعبهم الأمازيغي أولا وأخيرا ، وربما القارة الإفريقية التي
ينتمون إليها ، لكونهم جلهم ،إن لم يكونوا جميعهم، أمازيغ دما ولغة وانتماء وأرضا
، ولا يعانون اغترابا هوياتيا ، ولا يتسولون هوية من أحد، ولا ينتظرون إعترافا من
أعداء تمازيغت ، بدءً من حارس الفريق
المحمدي الامازيغي الريفي من الناظور،
والنقاش الأمازيغي السوسي من طاطا ، وبنصغير الفرنسي الامازيغي من تنغير ،
والزلزولي الامازيغي من الأطلس القصيبة بني ملال، وأخوماش الامازيغي الريفي من
تطوان ، والخنوس الامازيغي من الريف ،وكشطا الامازيغي السوسي من تزنيت ، وترغالين
الامازيغي السوسي من تارودانت ، العزوزي الامازيغي الريفي من الحسيمة، والبوحميدي
الامازيغي اليزناسني من بركان ، وبوشواري الامازيغي الريفي من الناظور، وسفيان
رحيمي الامازيغي من تيفلت بالاطلس ، وعلى رأسهم جميعهم فوزي القجع ...الأمازيغي
القح من الريف ، والركراكي الأمازيغي من الريف كذلك، وغيرهم كثير من الأطر الفنية
والتقنية والطبية الأمازيغية التي لا يتسع المجال لذكرهم جميعهم بالاسم لكثرتهم .
المفارقة التي
أثارت جدلا واسعا في الأوساط الأمازيغية ، ودفعت الغيورين على الهوية الأماويغية
المغربية مثل "مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي" الى إصدار بيان استنكاري
شديد اللهجة ، مليء بالشجب القوي والتنديد القاسي ...
وفي الختام ،
وبمناسبة اليوم العالمي للشعوب الأصلية ، الذي يصادف 9 غشت ، أتقدم بأحر التهاني
لكل أبناء تامزغا العظمى من سيناء إلى جزر الكناري ومن أزواد إلى الريف
والقبائل، وعلى الخصوص منهم ، لاعبي
المنتخب الأولمبي المغربي الأمازيغي، على الإنجاز والجهد والأداء المميز الذي
قدموه ، وعلى الاستماتة والروح القتالية التي أظهروها خلال المنافسات القوية التي
عرفتها أولمبياد باريس24 ، وعلى الجهد الكبير الذي بذله المدربون والأطقم الطبية
والفنية والتقنية ، في تحضير وتهيئ
الأجواء المناسبة التي أوصلتهم إلى هذا المستوى العالي الذي يضاهي مستويات
الفرق العالمية الكبير ، كما أصبح متداولا في الأوساط الرياضية وبين جماهير كرة
القدم وصحفييها ..
وتبقى القوة
الوحيدة التي يمتلكها من يدافع عن الأمازيغية هي القوة الأخلاقية التي يمتلكها كل
من يدافع عن حق مسلوب ،وهذا هو أساس
مشروعية الدفاع عن الأمازيغي.