بقلم الأستاذ
حميد طولست
من مهازل
الزمن أن نجد القطيع المستميت في الدافع بغباوة المستعبدين عن الكوفية ،المعروفة
أيضًا بالشماغ أو الحطّة ، وأولئك الذين
يحتجون على رفض عميد الجامعة تسليم الجائزة للفتات المتفوقة ، التي خرقت قوانين
الجامعة بارتدائها ، لا يعرفون –أو أنهم ربما يتجاهلون- أنها في الأصل ، مجرد قطعة
قماش تقليدية من الحرير أو القطن مُزيَّنة بنمط مربعات متنوعة الألوان من الأزرق
والأحمر أو الأسود أو الأبيض" ، يتم تصنيعها على نطاق واسع في مصانع الصين ،
وكان يحملها التجار الدمشقيون في قوافل الحج لبيعها للقبائل العربية ، لتُرتدى في
بلاد الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط ، كوسيلة لحماية رؤوس
ووجوه الفلاحين والبدو من الشمس والرمال ، قبل أن يتحول ارتداؤها لمعان وأوجه
وأغراض متعددة ، تُستشف من المناسبات والسياقات التي تلبس فيها ، ما صَعبَ ربطها باستخدام واحد ، أو
حصرها في غاية خاصة ، حيث أنها ارتديت
-إلى جانب كونها وقاية من الشمس والرمال - عرفا وتقليدا ولإبراز الانتماء وإعلان
الهوية ، كما استعملت كرمز للاحتجاج والمقاومة والنضال الذي ارتبط بشكل خاص
بالقضية الفلسطينية -خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين في النصف الأول من
القرن العشرين - وابست كذلك في الجيش ، خاصة "الكوفية الحمراء" كرمزا
لقوة الشرطة الأردنية التي تم إنشاؤها عام 1923 ، واستعملت في غير ذلك لكثير من
الأهداف والغايات ، قبل أن تتحول لمظهر خارجي معزز لثقافة الظهور والاستعراض
الفارغة من المصداقية ، المعروفة بــ "ثقافة الاستهلاك الظاهري" المبنية
على التباهي السطحي والتفاخر المبالغ فيه ، والتجاهل التام لقيم ومبادئ رموزها
الثقافية والتراثية الأساسية والمهمة في العالم العربي ، والتي لا يمكن أن تكون -
مع شكلها وتوجهها الحالي كموضة ، أو كجزء من إكسسواراتها - ميزة أو معيارا يحقق
النجاح و التفوق للشعوب المشرقية ، التي تعتمد كليا في ذلك على ارتداء بعض الألبسة وتقديس رمزيتها ، وعلى
رأسها "الكوفية" التي غدت أكبر عقبة أمام أي نجاح أو تقدم حقيقيان ، بعد
أن جعلت منها رمزا زائفا وغير واقعي وفاقد للمعني والقيمة والمصداقية ، وحولتها
إلى مجرد وسيلة للفت الانتباه ، بعد أن كانت تعبيراً عن الهوية الثقافية والانتماء
والاحترام الحقيقي للتراث الثقافي، المرتكز على الفهم العميق والاحترام التام
للقيم التي تمثله رموزها، بخلاف الشعوب
المتقدمة التي لا تعول على الألبسة ورموزها لبناء بلدانها وتطويرها تطويرا شاملا
ومستداما ، وتعطي الأولوية لقدرات كفاءاتها في مختلف المجالات العلمية،
والتكنولوجية والاقتصادية، والاجتماعية وحقوق الإنسان ..
لأن النجاح
والتفوق لا يعتمدان بالضرورة على رموز الملابس التي يرتديها الإنسان ، والتي قد
تعكس ذوقه أو خلفيته الثقافية أو وضعه الاجتماعي ، ويمكن أن تسهم في تعزيز ثقته
بنفسه وشعوره بالاحترام الاجتماعي ، لكنها لا يمكن أن تكون سببا في نجاحه أو تفوقه
، الذي لا يتحدد إلا بالسعي لتحقيق العدالة الثقافية وتكافؤ الفرص في الوصول إلى
رموزها المعززة للانتماء والكرامة الثقافية وجعلها متاحة ومعترف بها بكل أشكالها
وأنواعها بين الأفراد والمجتمعات ، بغض النظر عن المظهر الخارجي، التي ليست معيارا أساسيا لصنع النجاح أو التفوق .