بقلم الأستاذ
حميد طولست
ليس
بالضرورة أن يكون ما تحظى به الشخصيات العامة والمشاهير من الاهتمام ، وما يثار
حولها من الجدل والنقاش ، وما يسلط عليها من سهام التعليقات والانتقادات ، ويجعل
قضاياهم الشخصية وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية وأصولهم الهوياتية، وسلوكياتهم
الحياتية و تصريحاتهم الخاصة مثارا لردود
الفعل المتباينة ، بل قد يرتبط الاهتمام والجدل والنقاش وردود الفعل في أحيان
كثيرة ، بالأداءات الخاصة، والحركات العادية والشعارات الاحتفالية المتفردة
والمشخصنة ، وغيرها كثير من العوامل الأخرى ، التي تتباين حول مضامينها الآراء ،
وتتفرق في فهمها الأذهان ، وتختلف في تفسير سياقاتها وملابساتها المصادر التي
تناولتها ، والتي عاش لامين جمال -لاعب كرة القدم من أصول مغربية- ، بعض أنواعها
منها ، كما هو حال قضية تمثيله لإسبانيا
بلد الولادة عوض المغرب البلد الأصلي ، التي اشتهر بها لدى الجمهور المغربي ، إلى جانب غيرها من
العومل الأخرى ، التي لا تقل عنها أهمية ولا غرابة، كقضية تسميته بلامين جمال ... ، وقضية علاقته
بـ "ميسي" وبركته عليه ... ،وصولا إلى قضية الشعار الاحتفالي الذي اعتاد
على رفعه عند تسجيل الأهداف ضد خصومه ، والذي استحوذ غموض رمزيته ، وعدم معرفة
عالم كرة القدم بمثله ، على الحيز الأكبر من الجدال والنقاش ،وحفز وسائل الإعلام
والمشجعين على الخوض فيه ، والتساؤل عن معناه "الشعار"ودلالاته وعلاقتها
بخلفيته وأصوله وهويته الشخصية والثقافية و سلوكاته وتعبيراته الذاتية داخل الملعب
وخارجه، والسؤال عن سبب اختياره وعن الرسالة التي يريد تمريرها برفعه عند كل
انتصار له ولفريقه..
يقول بعض
العارفين، إن مكون الشعار هو الأرقام 3 و0
و4 التي هي رمز الحي الهامشي الذي عاش فيه لامين جمال ، فإذا سلمنا بأن شعار
"304" يرمز فعلاً إلى الحي الهامشي الذي عاش فيه لأمين جمال، فلاشك أن
الرسائل التي يرغب في توصيلها من خلاله ، هو رغبته في التعبير عن شخصيته القوية ،
وفخره بخلفيته الثقافية والاجتماعية ، وإظهار فخره واعتزازه وولائه وتقديره
وعرفانه بماضيه وأصوله ، وإعلان تضامنه مع جماهير الحي والمناطق الهامشية التي نشأ
فيها ، وتحفيز شبابها على تحقيق النجاحات والانتصارات الرياضية ،التي يرغب أن يكون
قدوة ومثالًا ملهما لهم فيها رغم الظروف الصعبة والتحديات الخطيرة التي تعرفها ..
خلاصة القول أنه
إذا كان لرمزية شعار 304 ودلالاته الإيجابية والقوية ، ذلك الدور المهم في بناء
صورة لامين جمال العامة ، كشخصية رياضية محبوبة و مثيرة للجدل ، فإنها هي نفس
الرمزية التي حولت الشعار - بعد أن عرف تغطية إعلامية وجماهيرية واسعة - إلى منصة
للحوار حول قضايا الهوية والتمثيل الثقافي في المجتمع الإسباني، وجعلت بعض
السياسيين يشاركون في ذاك الحوار بمواقفهم وآرائهم المختلفة ، وهي نفسها الرمزية
التي جرت على صاحبه لامين جمال ردود فعل بعض السياسيين ، الذين تعمدوا تسييس
الرموز الثقافية و الهوياتية ، مدفوعين ، ربما، من باب ما تعرفه الساحة السياسية
الأسبانية من حساسية خاصة حول قضايا الهجرة والاندماج الاجتماعي ، وربما من باب
جذب الانتباه أو لتقديم وجهة نظر سياسية، تعتقد أن الرمز الاحتفالي 304 يمكن أن
يستخدم لأغراض سياسية ، أو لتعزيز رسائل معينة ، يمكن أن تُفسر بشكل سلبي يثير
الجدل حول قضايا الهوية والتمييز العرقي .
كما
حصل مع إحدى وزيرات الحكومة الاسبانية ، أو كالذي جاء في تصريح سالفادور ايلا
السكرتير الأول للحزب الاشتراكي في كتلونيا:"كل هدف يسجله لامين هو هدف
لليمين المتطرف.. هو هدف ضد العنصرية ضد أولئك الذين يريدون اسبانيا و كتلونيا
مغلقة .. نحتاج المزيد من لامين .. في الطب و في التعليم و في العلوم..هذه كتلونيا
التي سنبنيها نحن الاشتراكيون .. كتلونيا عادلة اجتماعيا.
وكيفما كان
الأمر أشارككم خاطرة قرأتها مؤخرا على - الفيس- تحت عنوان " اتركوا هذا
اليافع لشأنه ...." كتبها مبدع سمى نفسه بـ معجب بهذا الشاب ويتمنى له
التوفيق ،ولأسرته السعادة. الخاطرة:
اتركوا هذا اليافع لشأنه ....
هو مغربي حتى
وإن اختار الانضمام إلى فريق الكرة الإسباني ، وأفريقي حتى وإن قصد القارة العجوز
لمداعبة المستديرة . هناك المال والشهرة والمستقبل ....و [الحؤوء ] كما يقول الذين
ينطقون القاف همزة .
ما أكثر الذين
سبقوه إلى هذا الأمر في شتى المجالات من مهندسين وأطباء وتقنيين وخبراء ... ولا
أحد استهجن ما قاموا به رغم أن البلاد وفرت لهم في بداية مشاويرهم المدرسة
والثانوية والجامعة... وعندما تميزوا قلبوا ظهر المجن لوطنهم ، وأصبحوا يترافعون
في المحافل الدولية باسم البلدان التي قطفت جهد غيرها ، لأنها أحسنت الاستقبال ووفرت
الظروف ....
لن أحدثكم عن
الذين يشرفون على تدبير أمور عيشنا المشترك في هذا الوطن الجميل ؛ لكنهم يحملون
جنسيات أخرى ، ويسافرون بغير الجواز الأخضر مباشرة بعد اجتيازهم للحدود ...هؤلاء
أحق بالمساءلة والعتاب من غيرهم .
أما هذا اليافع
الذي اختار لعب الكرة في ميدان آخر، فإنني أقول له ما قيل في خطاب تداولته وسائل
التواصل منذ سنوات ، وضحكنا منه كثيرا :
[ العب وين تحب ...راك ماروكان وأفريكان ..!]
بون جوغني والسلام