adsense

/www.alqalamlhor.com

2024/06/25 - 2:30 م

بقلم الأستاذ حميد طولست


يزخر المجتمع المغربي بعادات وتقاليد تراثية عديدة مرتبطة بالمناسبات والأعياد الدينية ، ومن المعروف عن غالبية الأسره المغربية ، الميسورة منها والفقيرة ، أنها ميالة إلى الحفاظ على تلك العادات والتقاليد ، التي تتميز بها تلك الأعياد ، عن باقي الدول العربية والإسلامية ، وخاصة منها تقاليد وعادات عيد الأضحى وعيد الفطر والمولد النبوي التي تمارسها بكل تفاصيلها الدقيقة ، وتحرص على توريث وتكرار طقوسها التقليدية لأجيالها المتعاقبة ، ومن بين تلك العادات والتقاليد والطقوس المرتبطة بعيد الأضحى وتعامل المغاربة الجماعي معه ، والتي تتميز بتجميع كل أفراد العائلة حتى المغتربين منهم الذين يحضرون من خارج المملكة خاصة من الدول الأوروبية لحضور احتفالية المناسبة ، التي تحرص فيها جميع الأسر ومن كل الشرائح ، على شراء خروف العيد ، والذي يشترط فيه أن يكون من أجود أنواع الخرفان مهما على ثمنه ، ويتشبث فيه الرجال والأطفال بارتداء أحسن ثياب وأزهاها ، للخرج إلى صلاة العيد التي يكثرون فيها من التكبير وحمد الله والصلاة على نبيه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والدعاء للمسلمين كافة ، كما يلتزم معظم الناس قبل يوم العيد صغارا وكبارا رجالا ونساء بالغسل عملا بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : "إن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين ، فاغتسلوا".. وبعدها يركزون على صلة الرحم وزيارة الأهل والأحباب ، كل ذلك قبل الوصول إلى الطقس الرئيسي في العيد المتمثل في ذبح الأضحية وإسالة دمها في احتفالية جماعية ينخرط فيها الكبار قبل الصغار في جو من الفرحة والسرور الذي لا يتوقف ، في المدن والقرى لأيام عدة يشكل فيها التمتع بلذائذ وجبات العيد الركن الأساسي فيه ومنه ، من المشاوي إلى أطباق اللحم والطواجين المتبلة والمزينة بالبصل والفواكه المجففة ، واللحم المبخر إلى "لحم رأس" الذي له وحده طقوس خاصة ، ربما نتطرق لها في حلقة منفردة ..

لكن المتمعن في هذه الطقوس الاحتفالية بالعيد الكبير - كما يسميه المغاربة ، تبجيلا لمقامه ولروحانيته  -  يتمكن بسهوللة ويسر من ملاحظة مدى التغير الذي طرأ على الموروث الحضاري والثقافي للأمة المغربية ، وظهور عادات مستحدثة فرضتها ظروف وأنماط الحياة الجديدة التي أصبح يعرفها المغاربة ..

حيث وجدت الكثير من العادات والطقوس التقليدية طريقها نحو الانقراض تحت تأثير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتفتح والعصرنة ، ومن بينها مسألة التخلي "الهيضورة" (1)التي كانت تستخدم كأثاث منزلي للجلوس والصلاة عليها ، والتي كانت المغربيات ، وإلى وقت قريب جدا ، يتجمعن بعد أيام من العيد ، فوق السطوح ، أو يذهبن إلى "السبالة" (2) حيث يقمن ، ووسط أجواء من المرح الذي يعمق أواصر الفرحة والتشاركية بين الفئات النسائية ، بعملية إعداد "الهياضر" ج "هيضورة" بشقها وتنظيفها من كل الشوائب ، ثم تطهيرها بالملح وتعقيمها بمادة "الشبة "  ونشرها تحت أشعة الشمس لتجف ،  وبعد يعدن أيام لترطيبها ، بحك جلدها بحجارة مسننة أو أداة خشنة ، ويمشطن صوفها ، ثم يقدمنها لرب الأسرة ليدشن الجلوس عليها ،  لكن ، ومع الأسف ، تسلل لهذا التقليد وكغيره كثير من العادات التراثية  الإهمال وأخذ طريقه نحو الاندثار ، حيث أنه غالبا ما أصبحت تتخلى جل الأسر المغربية تتخلى عن عادة تحويل "البطاين" (3) وذلك بالبيع ، كما يفعل المعوزون ، أو بالتصدق كما يفعل ميسوري الحال – فتجد البطانة نفسها بين أيدي حرفيي الصناعة التقليدية الذين يقتنونها من الدباغة الذين يقومون بتحويلها إلى جلود صالحة للاستعمال ، بعد أن يشتروها بدورهم من جحافل متسولي "البطاين" الذين حلوا محل "بوجلود" (4)الذي كان وإلى وقت قريب يمر على البيوت في الكثير من المدن والبوادي ، طالبا "جلدة الخروف"، والأطفال متحلقين حوله ، وهو يؤدّي حركات طريفة تضحكهم ، وإذا كان ظهور "بوجلود" أصبح نادرا في هذه المناسبة فإن جمع جلود الخرفان المذبوحة لم يغيب عن الحدث بل لا يزال جاريا وبصفة أشد ضراوة ، وأكثر عددا ، حيث أصبحوا جيشا جرارا يجوب الشوارع ويطرق أبواب البيوت طالبا بإلحاح ذبابي  "شي بطانة الله يرحم الوالدين" ..

ومن العادات التي أصبحت مهددة بالاندثار ، حرص الكثير من الأسر المغربية على عدم استهلاك لحم العيد كله ، فتلجأ إلى تحويل بعضه ، وخاصة منه الجزء المسمى بـ"الديالة" (5)، إلى قديد (6)يطيل مدة صلاحية استهلاك اللحم ،  ويبقى مُحتفَظاً به إلى يوم عاشوراء ،  ليهيئ بها كسكس ليلة عاشوراء ، والتي لم تكن الحاجة الوحيدة التي ابتكر الأجداد من أجلها القديد ، بل كانت هناك دوافع أكبر ، وعلى رأسها ضمان حق المتغيبين من الأبناء والأحباب ، في تذوق "بركة" أضحية العيد ، ولو بعد مدة .. لكن انتشار الثلاجات التي ملأت البيوت وأغرقت الأسواق جعلت الكثير من الناس يتخلون عن هذه العادة وذاك الطقس ..

وارتباطا بطقوس وعادات عيد الأضحى ، فالأطفال هم أيضا كانت لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة ، التي كانوا يشاركون بها في طقوس العيد ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر "عشيشة قديرة" أو "خيلوطة" ، حيث كانت الفتيات الصغيرات يتجمعن في اليوم الثاني من العيد ، ومباشرة بعد طقس تقطيع "السقيطة" أي الذبيحة ، في أبهاء المنازل أو فوق سطوحها ، ليلعبن لعبة "ربة البيت" ، ويتدربن من خلالها على تحمل الأعباء المنزلية ، فيقمن بطهي ما صحبت كل واحدة منهن من قطع اللحم  والخضر ، في طواجين صغيرة ثم إعدادها لهذه الغاية  .. العادة ، التي مع الأسف الشديد ، تراجعت كثيرا في الوقت الراهن ، وتوارت منهزمة أمام سطوة الألعاب الإلكترونية ، وتقهقرت تحت ضغط الهواتف المحمولة والألواح الرقمية من آيباد و...

وليست كل مظاهر الاحتفال بالعيد الكبير وغيره من المناسبات الدينية الأخرى وجدت طريقها إلى الاندثار ، فبعضها ما زال يكابد البقاء والدفاع عن مكانها وسط زحمة الطقوس والعادات المستحدثة ، وهناك محاولات من بعض النشطاء الجمعويين لرعاية الموروث الثقافي والحضاري المغربي والحفاظ على المتبقي منه من الاندثار ، كالمبادرة القيمة التي اقدمت عليها مؤسسة دار بلارج كمؤسسة ثقافية في جو من التغطية الثقافية والتسلية و المرح ، حيث عمدت خلالها إلى إحياء بعض طقوس وتقاليد الأعياد ، ومحاولة الحيلولة دون اندثارها كطقس  "القديدة” للعلاج حالات العقم عندهن ، والذي تقوم به النساء بجهة مراكش تانسيفت الحوز ، وببعض جهات المملكة ، على غرار جهة الرباط زمور زعير وجهة دكالة عبدة ، حيث تجمع قرابة  مائة قطعة من لحم  أضحيات العيد المجفف ”المقدد” لتحضيرها وطهيها كوجبة تقدم في طقوس نسائية محضة ، حيث تتم عملية إعدادها وسط أجواء من الأهازيج التي تعمق أواصر الفرحة والتشاركية بين الفئات النسائية في جهة مراكش تانسيفت الحوز ..

هوامش:

1 ـ"الهيضورة" ج "هياضر" -وهي الجلود الخارجي للخروف قبل تصنيعها –

2 ـ"السبالة" –الحنفية المشتركة التي يسقي منها سكان الحي قبل أن تدخل المياه للبيوت

3-"البطاين" ج "بطانة –وهو جلد الذبيحة قبل أن تتحول إلى هيضورة - 

4- "بوجلود" شخص يلبس فروة الخروف حتى يبدو على هيئته ، بقرنين على رأسه ، يطوف على الناس برفقة عدد من الأشخاص يقومون بجمع جلود الأضاحي لبيعها في الأسواق

5 – الديالة ، ذيل الخروف .

   القديد قطع لحم مشرحة يتم إعداده وتحضيره بإضافة التوابل وكثير من الملح وعناصر اخرى، وينشر فوق الأسطح  فيصبح له طعم لذيذ، وكلما طال وقت نشره في الشمس كلما زادت لذّة طعمه ، وهذه العملية تسمى في العربية الفصحى بتشريق اللحم في الشمس ...