بقلم عبد الحي الرايس
عزوف عن السياسة أو عن
الزواج أو عن القراءة أو عن المشاركة: إحجامٌ وانغلاق وانكفاءٌ على الذات،
وما الحياة إلا تفاعلٌ
وتَحَدٍّ ورهان، وسعيٌ مُتواصلٌ لكسب الرهان
فإذا تكرس العزوفُ عن
السياسة أخْلَى الساحة للانتهازيين وذوي الأطماع، وصدق من قال: "الثمن الذي
يؤديه الأخيار مُقابل لامبالاتهم بالشأن العام هو أن يحكمهم الأشرار"
وإذا تفاقم العزوف عن
الزواج غابت الأسرة كَلَبِنَةٍ أساس، ونواةٍ صالحة لبناء المجتمع، تسهر على حسن
التنشئة، وترسيخ القيم، والإعداد للحياة، والدفع بعجلة النماء، وصرت ترى العنوسة
طاغية، والعزوبة سائدة، ونسبة الطلاق عالية، وحالات الاكتئاب فاشية، وانفتح المجال
على كل الممارسات الخاطئة، مما يقذف بالمجتمع نحو الهاوية.
وإذا ساد العزوف عن
القراءة طغى الجهل، وكسد سوق الثقافة والفكر، ولن تتحقق التنمية ولن تُستدام إلا
بتوظيف علوم وتقنيات، وتفاعل رؤى وتوجهات، وتقابل اختيارات وإنضاج استراتيجيات،
بيد أن القراءة تُلهم وتُغني، وتبعث على تجاوز الذات وتُصَحِّي.
وإذا عَمَّ العزوف عن
المشاركة صار ذلك عوناً على الانفراد بالقرار، وضاع حقٌّ أقرته الشرائع والأعراف.
ونخلص إلى تأكيد أن
العزوف يهدم ولا يبني، وأن الوعي يبعث على الإسهام ورفع التحدي، وأن الخير كل
الخير في المبادرة والتصدي، وأن التبصر بالخواتم والعواقب يُحَصِّنُ ويُنْجِي،
مِثلَما أن الاستلابَ يُضِلُّ ويُرْدِي...