من المرتقب أن
يصل يوم الأحد المقبل 25 فبراير الجاري، إلى الرباط، وزير الخارجية الفرنسي ستيفان
سيجورني، في أول زيارة رسمية له للملكة، وذلك بعد تعيينه منذ 12 يناير الماضي على
رأس الدبلوماسية الفرنسية، حيث سيلتقي بنظيره المغربي ناصر بوريطة، في خطوة واضحة
على إصلاح العلاقات بين البلدين.
وحسب موقع
"أفريكا أنتلجنس" فإن الهدف الرئيسي من زيارة سيجورني إلى المغرب، هو
العمل على ترتيب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب، متوقعا أن تكون
قبل الصيف المقبل.
وستكون زيارة
الرئيس الفرنسي الأولى له منذ سنة 2017، وهي الزيارة التي سبق لماكرون نفسه أن
تحدث عنها، لكنها لم تتم في ظل العلاقات المتأزمة مع الرباط منذ العام 2021.
وتأتي الزيارة
المرتقبة بعد أن وجهت فرنسا في الفترة الأخيرة العديد من الإشارات الإيجابية وعلى
مستويات متعددة عن رغبتها في فتح صفحة جديدة مع المغرب، كانت آخرها حفاوة
الاستقبال التي لقيتها شقيقات العاهل المغربي الأميرات للاّ مريم وللاّ حسناء
وللاّ أسماء في قصر الإليزيه والمأدبة التي أقيمت على شرفهن من قبل زوجة الرئيس
الفرنسي بريجيت ماكرون.
بالإضافة إلى
ذلك، من المنتظر أن يقوم رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه بزيارة المغرب
خلال الأيام المقبلة حيث سيلتقي كبار المسؤولين بالرباط.
ونقلت إذاعة
فرنسا الدولية الأربعاء عن عدة مصادر قولها إن "وفدا من أعضاء مجلس الشيوخ
المغاربة سيزور فرنسا في ماي 2024. ومن الجانب الفرنسي، سيكون جيرار لارشيه، رئيس
مجلس الشيوخ، الذي سيكون قريبا في الرباط".
وكشف قصر
"الإيليزي" أن الرئيس الفرنسي أجرى مؤخرا، اتصالا هاتفيا مع الملك محمد
السادس، دون الإشارة إلى مضمون المكالمة وتاريخها، كما حضر للترحيب بالأميرات
المغربيات، كإشارة على عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، بعد مرحلة طويلة من
الفتور.
وتأتي زيارة
وزير الخارجية الفرنسي إلى المغرب بعد أيام من تأكيده على "أهمية العلاقات
بين باريس والرباط وضرورتها"، وأعرب عن "إرادته في إعادة بناء الثقة
المتبادلة بين الطرفين"، معتبرا أن ذلك "يخدم مصلحة فرنسا والمغرب،
ومشددا على "ضرورة بناء جدول أعمال سياسي جديد بين الرباط وباريس".
وقال سيجورني
خلال جلسة استماع في الجمعية الوطنية الفرنسية، أن "الإرادة موجودة لقد أعدت
الروابط مع المغرب، في الماضي كانت هناك بعض الاحتكاكات التي أدت إلى صعوبات لكن
علاقتنا مع المغرب مهمة للغاية، بل أساسية وضرورية، معتقدا أننا يمكن أن نفعل بشكل
أفضل وبشكل مختلف هذه المرة".
وأعرب الوزير
الفرنسي عن رغبته في حوار مفتوح مع المسؤولين السياسيين المغاربة بشكل شفاف مع
احترام جميع الأطراف.
وقبل ذلك، أكد
سيجورني في حديث لوسائل الإعلام أنه مكلف من طرف الرئيس ماكرون بتحسين العلاقات
المغربية- الفرنسية.
وتؤشر الزيارة
المرتقبة على أن باريس بدأت تعيد النظر في سياستها الخارجية ذات الصلة بالقضايا
الحيوية للمغرب لأن من بين أهم أسباب استمرار الأزمة مع المغرب هو غياب موقف واضح
من قضية الوحدة الترابية للمملكة.
وفي حين كررت
فرنسا رمزيا دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها أساسا جديا وذات مصداقية
للنزاع الإقليمي، تتوقع الرباط أن تحذو باريس حذو الولايات المتحدة وإسبانيا وتؤيد
بشكل لا لبس فيه مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الأساس
"الوحيد" لحل سياسي دائم للصراع الإقليمي المستمر.
ويعتبر المغرب
قضية الصحراء مسألة وجودية تهم الأمن القومي على كافة المستويات وتطالب الرباط
باريس بتحديد موقف واضح غير ضبابي في هذا الملف، وتجاوز الموقف الذي عبرت عنه في
العام 2007 في ملف الصحراء المغربية وتعتبره الحد الأقصى، وعدم وضع قضية الوحدة
الترابية في سياق المفاضلة السياسية والدبلوماسية بين المغرب والجزائر.
وكان الملك
محمد السادس قد شدد في خطاب ألقاه في غشت 2022 بأن "ملف الصحراء هو النظارة
التي ينظر بها المغرب إلى العالم"، معتبراً في السياق نفسه أنه "المعيار
الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات".
وعرفت
العلاقات بين البلدين توترات كثيرة في السنوات الأخيرة، ولم تجد بعد طريقها إلى
الحل، بالرغم من أن مؤشرات انخفاض التوتر بدأت تلوح منذ أواخر العام الماضي، عقب
تعيين سميرة سيطايل سفيرة للمغرب في باريس بعدما ظل المنصب شاغرا لأكثر من سنة.
ويبدو أن
باريس بدأت تعي أهمية الصحراء ليس فقط بالنسبة للمغرب، بل أيضا إليها كمنطلق أطلسي
استراتيجي يمكنها من العودة إلى القارة السمراء، التي أصبحت تعرف فرنسا في
الذكريات فقط.
وتشكل
الأقاليم الجنوبية المغربية حاليا، "حلقة اقتصادية" مهمة بين الرباط
ودول العالم والقارة الأفريقية، ومتنفسا للتضييق الاقتصادي الذي تعرفه دول الساحل
بعد "حمام الانقلابات"، من خلال الإعلان عن مبادرة الأطلسي، التي ستكون
فيها أيضا موريتانيا، "اللاعب الجديد في المنطقة"، جزء أساسيا، وفق
تصريحات وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
وأمام كل هذا،
كشف سيجورني توجهات ماكرون نحو المغرب، فبعد مماطلة وتعويل على الجزائر، التي تعرف
فقط استمرار تأزم العلاقات مع الدول الأخرى عوض تحسينها، يلجأ الرئيس الفرنسي الآن
إلى الرباط وأقاليمها الجنوبية قصد تحقيق "العودة الكبرى إلى إفريقيا".
وظهرت مؤشرات
التطور الفرنسي في ملف الصحراء منذ تصريحات السفير الفرنسي للإعلام الرسمي
المغربي، وبدأت تتعزز مؤخرا بعد إشرافه شخصيا على فتح فرع لغرفة التجارة والصناعة
الفرنسية بجهة كلميم واد نون بوابة الصحراء المغربية، وهو ما اعتبره مراقبون
تمهيدا لافتتاح باريس قنصلية في الصحراء أسوة بعدد من الدول.