بقلم عبد الحي
الرايس
فمستقبلُ
البلاد مَرْهُونٌ بنوْعيةِ تعليم الصغار، هم مدعوُّون لمواكبة عصر الذكاء
الاصطناعي بكل مستجداته وتحدياته، وهم كبار الغد، مُحققو تماسك المجتمع، وتنمية
البلد، وسيكون منهم صانعو القرار.
وقد عرفت
الإنسانية حِقَباً وتحوُّلاتٍ كبرى نَجَمتْ عن ابتكار الكتابة، واكتشاف الطباعة،
فاختراعِ الآلةِ التي أحدثت الثورة الصناعية بكل عطاءاتها وتَبِعَاتِها.
ولكن عصر
الذكاء الاصطناعي الذي نستقبله، يختلف كثيراً عن سابقيه، لأنه يُحدِث تحوُّلاتٍ
كبرى في عالَم المِهَن، وفي أساليبِ التعليم والتطبيب والإدارة والصراع والتنقل
والتبضُّع والتعامل والتواصل وتدبير شؤون الحياة، ومُواجهة مُتطلباتها.
وجميلٌ أننا
نُعَدِّدُ فرص استكناه أسرار هذا التحول المثير، فنتساءل عما أتى به، ونتحسَّبُ
لما تحفل به آفاقُه من تغيير.
والأجمل أن
نسائل واقعنا عما أعْدَدْناه لمواجهة هذا الوافد الجديد، مُحْدِثِ التحوُّل
المُذْهِل الكبير.
وعند الأوْبة
إلى الذات، تُطالعُنا الأقسامُ مُكْتظَّة، مُسْنَدَة إلى أُطُرٍ مُتعاقِدَة،
تُعْتمَدُ فيها لُغةٌ لا يُتقِنُها المعلِّمُ فَمَا بالُكَ بالتلميذ، ويُنْتَظَرُ
منها أن تكون نافذةً على العِلم وأداةَ اكتسابِ الجديد، يَحْدُثُ هذا في مُجتمع لا
تزال فيه الأمية حاضرة، ونسبةٌ من الطفولة عن المدرسة غائبة، والهُوَّة بين عَالَم
الإثراء وعالَم الإملاق قائمة.
لأجل كل ذلك
تقتضي الحكمةُ، وحصافةُ الرأي، وبُعْدُ النظر، تَجَاوُزَ تدبير الظرفية، وتخطِّي
اعتماد التَّرْضِيات والبحث عن توافُقات، إلى العمل الجادِّ والمسؤول على إحداث
نَقلةٍ نَوْعيةٍ في التعامل مع قضية التعليم، تقوم على تحديد الأهداف، والتحسُّبِ
للآتي، واستحضارِ تحدِّياتِ عصر الذكاء الاصطناعي، وإرساءِ أرضيةٍ للتعليم تجعل
منه في الإعداد لِعَالَم الغد المُسعِفَ الآني، والمُشيِّدَ الباني.
وصَفْوَةُ
القول أننا لن نُفلِحَ في مواجهة تحديات عصر الذكاء الاصطناعي بنسبةٍ من الطفولة
عن المدرسة مُغَيَّبَة، ولا بأخرى مُسْتبْلدةٍ مُسْتلَبة، إنما بناشئةٍ لِلُغتِها
مُتَملِّكة، ولِلغةِ العصر مُكْتسِبة، وبتقنيات التعلُّم والبحث والتواصل
مُتمرِّسة، وعلى التعامل مع الذكاء الاصطناعي مُقتدِرة، له مُوَظِّفة، وفيه
بيقظتها مُتحكِّمة،
بِمِثْل ذلك
أفلحَ أقوامٌ، ويعمل آخرون، ولا عُذر لنا في أن نظل له مُتجاهلين، وعن الأخذ به
عازفين.