بقلم الأستاذ
حميد طولست
بعد أسبوعين
على وقوع الزلزال المميت الذي ضرب مناطق كثير من المغرب ، خرج على المغاربة حارس
معبد حزب "العدالة والتنمية" ببلاغ شارد يعيد فيه تدوير الخطاب الديني
الذي سار فيه وعليه خلال ولايتين حكومتين متتاليتين قضاهما في تسيير الشأن العام
الوطني ، والذي عاقبه المغاربة على إخفاقه في تدبيره له ، بالامتناع عن التصويت له
،ما أدى إلى سقوطه السياسي في وانتخابي الثامن من سبتمبر ، وجر عليه انتقادات
كثيرة داخل الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية المغربية بسبب بلاغه حول زلزال
الثامن من سبتمبر الحالي ،والذي لا نجد ما نقول حوله غير "لا حول ولا قوة إلا بالله" كيف
لمسؤول سابق على الشأن العام ورئيس لحزب ذي مرجعية دينية ، أن يتهم شهداء أودى
الزلزال بحياتهم ، بممارسة الذنوب والمعاصي والموبقات ، وكأن ظروفهم الحياتية
الصعبة -التي هو وحكومته المسؤولان عنها - تمكنهم من رفاهية ارتكاب الذنوب
وهم يلهثون وراء لقمة العيش المستعصية في
منطقة لم تكن مدرجة بالمطلق في جدول أعمال سياسة حكومته -وسياسات حكومات أخرى
غيرها رغم الأرقام الفلكية التي رصدت لتنمية المجال القروي ، والتي لم يكن لها أثر
واقعي على أرض الواقع في جميع التراب الوطني ، وفي المنطقة المتضررة التي فضح
الزلزال هشاشتها وعزلتها المطبقة.
هل غاب على
بنكيران ومن معه من شيوخ المسخ والقبح أن
المغرب بلد متدين وأن جميع المغاربة ، بمختلف هوياتهم ومرجعياتهم وأيديولوجياتهم ،
يدينون بالدين الإسلامي ، بما فيهم أولئك الأبرياء الذين يسكنون المناطق المنكوبة
، الذين ما كانوا -وشهداءهم رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته - ينامون إلا بعد أداء
صلاة العشاء ، التي لا يتناولون بعدها إلا ما يبقيهم على قيد الحياة ، الذي شكرون
عليه الله ، الذي يؤمنون أنه ليس لهم من دونه ولي ولا نصير ، وان كل شيء عنده بمقدارٍ وبأجَل مسمًّى، و
انه يصطفي من يشاء ، ويؤخِّر أجل من يشاء ، و أن له ما أخذ و له ما أعطى ، وغيرها
من المسلمات الإيمانية لدينهم الإسلامي الذي لا يسمحون لأي كان أن يعبث بها ،حتى
لو كان بمرتبة رئيس حكومة سابق، الذي يجب أن يعلم أنه رغم فقرهم -المفروض - ليسوا
جهلاء ويؤمنون بأن دين الله الصحيح يمقت الخرافة ويحرم الدجل ، ويدعم العلم
والمعرفة والبحث في المسبابات العلمية للكوارث الطبيعية ، ولا يمنع الأخذ بالأسباب
المحفزة على التطور والتقدم ،والتنمية التي ساهمت حكومة بنكيران ، إلى جانب
الحكومات المتعاقبة ، على تعطيلها في المنطقة
المتضررة - الأمر الذي لم يخف البلاغ تحمل الحكومة مسؤولية حياة الكفاف والعفاف والغنى عن الناس التي
يعيشها الناس بها في غياب تام لأبسط
متطلبات التنمية المحترمة لكرامة الإنسان وحريته وعقله ، من طرق سالكة، وعمران
إنساني ، ومؤسسات اجتماعية صحية وتعليمية ودينية لائقة ، والتي لا يمكن أن يثير
التنعم بها أي غضب من الله ؛بخلاف من يبددون الأموال العمومية طولا وعرضا في
الحانات والكازينوهات وصالات قمار ونوادي الرذيلة البعيدة عنهم "بعد السما
على الما" كما يقال بالدارجة المغربية..
الغريب أنه في
ظل هذا الوضع المأزوم الذي أصبح فيه المتضررون في حاجة ملحة للتعاطف الحقيقي
والصادق ، المتسم بالواقعية واحترام ثوابت الدين، وأهمية الحياة الإنسانية
،يُلجأ لتفسير أسباب وقوع الزلزال بسردهم
أقوال متخلفة لم يقلها رسول الرحمة والإنسانية ، التي كانت وراء تحويل الدين إلى
سلعة ، والعباد إلى زبائن ، ورجال الدين خدام المعابد إلى تجار يقتاتون على جهل
التابعين ،.
رحم الله
شهداء الزلزال ، وسحقا لأصحاب القلوب القاسية والمظلمة ، الذين يعد تفريط حكوماتهم
في مناطق من هذا الوطن الحبيب اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا على اعتبار أنها مناطق
غير نافعة ، هو الذنب الكبير ، والمعصية العظمى ، الذي يستحقون عليه غضب الله ،
وانتقامه الشديد ، حسب طرح ومغالطات رجال الدين التي تفرض خطورتها التصدي لأصحابها
وإعادتهم إلى حجمهم الطبيعية البعيد عن ما يمنحونه لأنفسهم من هالة التفخيم
والقدسية..
و في الختام
أجدني مضطرا لأطلب من الله العظيم أن يباعد بيننا وبين القاسية قلوبهم ، والحاسدة
أعينهم ، والكاذبة ألسنتهم ومشاعرهم ، ويقرب إلينا من يحفظ الود ويصون العشرة
ويجبر الخاطر ولا ينسى فضل الله والوطن عليه.