بقلم الأستاذ
حميد طولست
في الوقت الذي
خفتت فيه نسبيا الفتاوى المضللة والكاذبة والمروجة لفكرة كون الكوارث الطبيعية -
والزلازل من بينها- هي من غضب وعذاب الله على عباده على كثرة خطاياهم ومعاصيهم ،
التي ملأت شبكات التواصل الاجتماعي في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب مساء
الجمعة 8 سبتمبر ، والتي وبثت القلق بين عامة المغاربة ، وأرهقت نفسيات المتضررين
من الزلزال .
في هذا الوقت
الذي يعرف فيه المغرب الهبة التضامنية غير المسبوقة ، والتفاعل الكبير ، والتعاطف
الكاسح الذي فرضه ما تميز به الشعب المغربي من "تمغربيت " التي عبر من
خلالها على مختلف مظاهر التآزر والتضامن والتعاضدة والمواساة التي جعلت الشعب
متراصا في وجه المحنة ؛خرجت علينا بعض
الجهات للترويج لأفكار وفتاوى جديدة تعبق
بروائح المتاجرة بمآسي البشر المغلفة بـ"قشابة" الدين المتمثل في استغلال
الفتيات القاصرات اللواتي فقدن عائلاتهن جراء الكارثة المدمر ، بدعوى
بحمايتهن من الضياع ، وانتشالهن من محن
الكارثة الإنسانية، وحمايتهن من مخاطر الهشاشة التي قد يتعرضن لها ، وذلك بكفالتهن
بالزواج الذي هو - حسب شريعة مشايخ القبح - ستر وحفظ للمرأة ، الشرح الخاطئ
والمخالف للمنهج القرآني، الذي جعل الزواج ستر للرجل والمرأة معا وليس للمرأة وحدها،
بدليل قوله تعالى :"هن لباس لكم وأنتم لباس لهن".
هذا التآزر
المشبوه وذاك التكافل الملغوم ، الذي أثار موجة من الاستياء لدى فئات واسعة من
الفاعلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، هو من حرض العديد من المنصات الفيسبوكية
على التساؤل حول مصداقية هذا النوع من التكفل بالمنكوبات القاصرات عبر الزواج
المبكر -الممنوع بالمغرب إلا بإذن القاض*، والذي يشتم منه وفيه روائح زواج الشفقة
الانتهازي غير المقبولة لا أخلاقيا ولا إنسانيا ، والذي أقل ما يمكن أن يوصف به هو
أنه من أفعال مجرمي الحروب مستغلي الكوارث المتاجرين بمآسي الضعفاء ، الأمر الذي
دفع بالعديد من الفعاليات الحقوقية والمدنية للمطالبة بتطبيق القانون الذي يحمي الأشخاص من بكل
أنواعه النصب والاستغلال وتحت أي مسمى كان
، وخاصة منه استغلال الأطفال اليتامى
والفتيات القاصرات اللواتي هن في حاجة للدعم النفسي أكثر من أي مساعدة أخرى ، حتى
لو كان عبر الزواج الذي لن يتجاوزن به ما يعشنه من صعوبات ومحن كارثة الزلزال ، والذي لن يجعلهن في مأمن من
المخاطر النفسية ، التي قد يتكبدن تبعاتها جراء الاستغلال المغلف بغطاء التضامن
والتعاضد والتكفل بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون سند أو مورد ،
الموضوع الذي حظي بالأولوية وبالاهتمام الكبيرين لجلالة الملك ، الذي أعطى أوامره
بإحصاء ضحايا الزلزال من الأطفال اليتامى القاصرين وإحاطتهم برعايته الكريمة
والشاملة الكريمة المتمثلة في ومنحهم صفة مكفولي الأمة *، المبادرة الملكية التي
ستمتعهم بحق الرعاية الصحية المعنوية والمساعدة المادية المنصوص عليها في القانون
، وتقطع الطريق بشكل نهائي أمام كل من يصطاد في الماء العكر ..
وصدق من قال :
للوطن رب وملك وشعب يحميه، ويجعله كثلة
متراصة في وجه المحن ..
هوامش:
*ــ تمنح
المادة 20 من مدونة الأسرة المغربية (مدونة الأحوال الشخصية)، للقاضي السلطة
التقديرية بقبول أو رفض طلب تزويج القاصر، وهو الاستثناء الذي يعتبره الحقوقيون قد
تحول إلى "قاعدة" بالنظر للأرقام المسجلة لزواج القاصرين سنويا
*ــ من هم
مكفولو الأمة؟: إن مكفولي الأمة ، حسب
القانون رقم "97-33" هم الأطفال المغاربة الذين قتل آباؤهم أو أولياء
أمورهم الرئيسيين بسبب مشاركتهم في الدفاع عن المملكة أو أثناء قيامهم بمهام
المحافظة على السلم أو عمليات إنسانية بأمر من القائد الأعلى ورئيس الأركان العامة
للقوات المسلحة الملكية.