بقلم الأستاذ
حميد طولست
يعتقد الكثير من الموضوعيين ، بأن عن الأمم والشعوب
الأخرى يرجع بالأساس إلى الفهم الخاطئ
للدين ، وليس لبعدهم عن الدين ، كما يروج جل الشيوخ والوعاظ في خطاباتهم الدينية
المشكلة لثقافة المجتمع ونظرته إلى الحياة،والمنتجة لسلسلة من الأجيال المهزومة
المتنكرة لآدميتها وإنسانيتها، التي تقضي عمرها تعمل ،من الولادة إلى الموت ،
كالدابة ، تأكل وتتناسل وتتكاثر ، مفضلة البقاء في دفء القطيع والسير معه ، موثرة
السلامة -حتى المنطوية منها على الهلكة - على التمرد على حراس معابد الجهل
والرجعية ، أو حتى الاختلاف مع أنصار البلادة الفكرية ونخبها المتاجرة بعقول
الغوغاء ، والمشرعنة لكل ما يصنع الشعوب والمجتمعات "الخبزية" التي لا
حق لها في التعبير أو النقد أو المطالبة بما لا يتماشى مع أيديولوجيات مشايخ الفكر
الظلامي النكوصي المتدخلة في كل شيء باسم
التراث العشائري الببغاوي الماضوي ، المرتكز على الخرافة والأساطير المقوضة
للحريات والحقوق، والمشوهة للقوانين والدساتير، والمحرمة للعلوم الحقة ، والمشيطنة
للسؤال الفلسفي ، والمسفهة لبراهينه المنطقية المحرضة على تبني التفكير المخلخل
ليقينياتهم المتجاوزة، والمشجعة على ارتكاب النقد المزعزع لغيبياتهم المتخلفة ،
والداعية للتحليل الكاشف لحقيقة منتوجهم التجاري الذي يمكنهم من ملء البطون والجيوب ، ويضمن لهم الاغتناء
الفاحش على حساب الأتباع الذين يعيشون ، كالبقر الحلوب في الزرابي ومرابط البهائم
، التي تأكل ما لا تزرع ، وتلبس ما لا تصنع ، وتستغل ما لا تخترع ، وتخوض في ما لا
تفهم، دون أن تترك بصمة في مصيرها أو أثرا في تاريخ البشرية ،وحتى عند مواجهتها
لما يشتدّ ويتعقد من مشاكلها و ينغّص عيشها ، من فساد مالي وفقر وجوع ومرض وغلاء
أسعار، بالدعاء على من يخالف رأي وعقيدة المشايخ الذين يعبدون.
وللعلم
فإن هذا الوضع الاجتماعي المقلق والمؤرق جدًا ، والذي آلت إليه أحوال هذه الأمة
بسبب رجال الدين فيها ، ليس بوليد اليوم، وإنما هو صراع قديم قدم التاريخ ، صراع
بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، بين الأصيل والدخيل ،بين الظالم والمظلوم،
بين الحاكم والمحكوم ؛ صراع شبيه بما عاشته أوروبا في القرون الوسطى، التي عظم
خلالها شأن رجال الدين ، وازدادت سطوتهم في المجتمع، وتضخمت هيمنتهم وسيطرتهم عليه
، إلي أن وصلت إلى التحكم في أفكار وأحلام ومعتقدات الناس، إلى أن بزغ "عصر
التنوير" الذي جعل عامة المتدينين المسيحيين يفهمون الكتاب المقدس دون وساطة
الكهنوت الكنيسي ورجاله ، الفهم الذي كان وراء الثورة العارمة التي عزلتهم عن
الدولة ، وأراحت العباد من كل أشكال الكهنوت الديني..
فهل حان للأمة
الإسلامية أن تتحرر من وصاية الشيوخ ، وهيمنة الفقهاء ، وتحكم الدعاة وتسلط الرقاة
والحجامة ، وعودتها إلى مصادر دين الله الحق كما نزل على رسوله محمد صلى الله عليه
وسلم الذي جاء لإتمام مكارم الأخلاق ولمعالجة المشاكل الحياتية الطبيعية ، ولفتح
مسارات التطور ، دون وساطة فتاوى التخلف
بكل مسمياتها وتنوع تذرعاتها ، ، المتكئة على الدين الذي تأخذ صداها ومداها في عقول
البسطاء باسمه ، وتصبح أشبه بالعقيدة التي تحول المخدرين والمغيبين منهم ، إلى مجرد دمى مؤدلجة تصدق كل الخرافات الواردة
في كتب الجهل الرعوي المقدس التي تعج بالأخطاء الفاضحة، والركاكات المقيتة ، والتناقضات المستفزة التي
يهدف من خلالها علماء التبرير، وجهابذة الخداع،إلى تغيير البنية الأساسية
للمجتمعات الإسلامية ، وجعل غالبيتها تعبد
الدين بدل عبادة الله ، و تستطيب ارتكاب الفواحش –ما بطن منها وما ظهر -وتنتهك
كافة حقوق الغير،وتدمر وصايا الدين الحق وتعاليمه ،وتضرب أخلاقه وقيمه
النبيلة وتصد الأذهان عن التفكير في دين
الله صلى الله عليه وسلم
نعم لقد حان
أوان تحرر وانعتاق هذه الأمة ، بكل تأكيد ، بدليل أن الأمر نفسه الذي عرفه الكهنوت
الكنسي في أوروبا، قد بدأ يحدث خلال العقود القليلة الأخيرة ، مع صناع المحتوى
الديني الرديء من المتمشيخين الجدد ،الذين بدؤوا
يفقدون بعضا مما كان لهم في نفوس المستغفلين من القدسية والاحترام والتبجيل
قبل أن يستفيقوا من غفلتهم بعد اكتشافهم لبعض أساليب النصب والاحتيال المسلطة
عليهم ، وذلك بفضل ثورة تكنولوجيا المعلومات التي فتحت الأعين ونورة العقول
ومكنتها من القدرة الفائقة على الفرز والتجنيب وعدم التقصير فى حق الله والنفس
والغير ، في إطار من الأخلاق المتؤثرة على سلوكيات الشخصية للأفراد، وتمكنها من
التعامل بصورة أفضل مع التحديات والمواقف الصعبة المختلفة ، الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية والدينية ، أول سلم رتقي الشعوب والأمم والمجتمعات وبناء علاقات
أكثر إيجابية بينها.