بقلم الاستاذ
حميد طولست
لم تعد كرة
القدم اللعبة التي تعود لما قبل التاريخ ، هي تلك الرياضة الأكثر شعبية والأقل
كلفة ،التي لم تكن تحتاج غير أي جسم كروي قابل للتدحرج والارتداد ومكان منبسط،
ملعبا مهيأ كان أو ساحة عمومية أو دربا أو زقاقا في حي أو حتى قارعة طريق ، فقد
تغيرت كثيرا عن شكلها البسيطة الذي كان القرويون والفقراء يلعبونها بأقدام حافية ،
وأصبحت لعبة متطورة بقواعد جديدة ومعقدة ، تمارس داخل أندية متخصصة انتقلت بها إلى الاحترافية -التي ظهرت بإنجلترا
في منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر، وتحديدا في 1885 - التي ظهر معها صنف جديد
من اللاعبين يتلقون رواتبهم مقابل تفرغهم الكامل لممارسة اللعبة، والذين ازدهرت
معهم سوق اللعبة ، بما عرفته في الآونة
الأخيرة ، من ارتفاعات صاروخية في أسعار
لاعبيها وانتقالاتهم بين الأندية –بيعا
وشراء أو إعارة- والذي انتشر عبر العالم
إلى درجة يتمكن معها المتابع لأحداث وبيانات أسواق المستديرة ، من أن يجد أن
عوالمها قد عرفت خلال فترة قصيرة–بغض النظر عن الأسباب والمسببات – تعدد
مواسمها التي أصبحت محببة لقلوب الجماهير الكروية ، بما
تحمله من تنافسية الأندية في الحصول على خدمات نجوم الكرة، وتتسم به من حدة سعيها
للوصول على المجد الكروي ، الهدف الأسمى للعبة الذي يشعل ظاهرة المزايدات بين
أنديتها ، ويلهب المضاربات بين وكلاء لاعبيها ويضخم المناطحات بين سماسرتهم ،
الذين يستميتون من أجل الظفر بتعاقدات البيع أو الإعارة ، التي وصل عدد صفقاتها
إلى حوالي 133 ألف تعاقد همت أندية أكثر
من 200 دولة ، شهد منها عام 2019 أرقاما قياسية بلغت 18 ألف صفقة، شارك فيها 8
آلاف ناديا، وشملت قرابة 66 ألف لاعب ، عرفت أسعار بعضهم قفزات استثنائية وخيالية
، جعلتها هي الأعلى على الإطلاق، منذ تطبيق نظام الاحتراف الكروي ،الذي أنشئ
بإنجلترا في منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر، وتحديدا في 1885 ، والذي أصبحت معه
مهنة "لاعب كرة القدم" مهنة
رسمية ومعترف بها.
فهل تشفع رغبة
أندية كرة القدم الجامحة ، ورهانهم على
تحقيق التميز والانتصار ، بهذا الحجم من التضخم والمزايدات في ارتفاع أسعار
اللاعبين المبالغ فيه ،التي تعيشه سوق كرة القدم ، ألا يعرف الاستثمار في هذه
اللعبة رادعا أخلاقيا يحد من غلواء هذا
الخلط المستنزف لميزانيات الأندية ؟ أم ان عامل المال و الأيديولوجيات هو المسيطر
على كرة القدم ، ما جعلت منها لعبة أيديولوجية داخل لعبة اقتصادية تحت شعارات
رياضية،جعلت الأغلبية الساحقة من الزاحفين للمشاركة في ولائمها دون تدمر مما يعرفه
سوقها من ضجيج صفقات لا تحفّز على استثمارات نتعش اقتصادات ، ولا تساهم في تنمية
بشرية تعالج مشاكل البطالة والغلاء الذي
يعرفه العالم ، والذي تضخم منسوب شكواه من غلوائه ، واشتد نحيب وبكاء المكتوين
بالتهابه ، وتأجيج عويل ندب وشجب المحتجين ضد تصاعدية وتيرته التي شملت كل
المجالات المعيشية بجميع قطاعاتها الحيوية.