بقلم عبد الحي
الرايس
أفْلَتَ
الزمام، وصارت الأهواء مُتحكِّمة في بني الإنسان، ومضى عهدُ النبوة والرسالاتِ
الهاديةِ لمكارم الأخلاق، المُقوِّمة للسلوك، المُصحِّحة لِلاِعْوجاجات، وأبَى
بعضُ فلاسفة العصر إلا أن يَدُلُّوا على بَوْصلةٍ تَهْدي التائهين إلى الاختيار
القويم، فنصحوا ـ عند الحيرة في تصنيف أمْرٍ ما بين الخير والشر ـ بتصور تعميمه،
والاحتكام إلى ما يُسْفِرُ عنه ذلك.
كانت الأسرة
نواة المجتمع، وكان عِمادَاها الأمُّ والأبُ يتقاسمان السهر على التنشئة
السَّوِيَّةِ للأبناء، بتهذيب طباعهم، وتقويم سلوكهم، والنأي بهم عن الغريزية
والحيوانية ليرتقوا في مدارج الإنسانية، فكراً وسلوكاً وعلاقاتٍ اجتماعية.
تمرَّدت
المجتمعاتُ على الظلم والاستبداد نُشْداناً للحرية والانعتاق، وظل الحلم بالعيش في
أمْنٍ وعَدْلٍ وسلامٍ مَطلبَ بني الإنسان.
ولكن النزوع
إلى التحرُّر بلغ مَدَاه حين أضحت الغرائزُ والأهواءُ سيدةَ الميدان، وأبتْ إلا أن
تكسر قيود القيَمِ الضامنةِ لتماسك المجتمعات، والمميِّزة للإنسان عن الحيوان،
ومضت في اندفاعها لتعبث بالشرائع والتشريعات، ولتُفيق على أسرةٍ تفكَّكتْ، ومِن
قيود الزوجية تحلَّلت، وصار الصغارُ لا يَلْوُون على تنشئةٍ تُقوِّم، ولا قدوة
تُلْهِم، ولا ضوابطَ ترْدَع، فانفرط العِقْد وأضحت الأجيالُ في مَهبِّ الضياع،
وماذا تنتظر من ذوي الأهواء حين ينتهي بِهِمُ المَطافُ إلى مَواقع القرار، لن
يزيدوا الطينَ إلا بَلة، والانسياقَ مع الأهواء إلا استفحالا. !
فإذا انهارت
الأسرة، ودِيسَت القيم، وطغَتِ الأهْواءُ وتَسَيَّدَتْ، فأيّ أفق تنفتح عليه
الإنسانية غير إمعان في الفردانية، وخضوع لما تُمليه الذاتية؟ وساعتها ابْحث عن
الأجواء العائلية، والتنشئة الاجتماعية عَلَّك تجدُها في الحكاياتِ المروية.
كانت الأسرة
تتماسكُ رغم ما قد يفتُّ في عضدها من فقر أو جهل، فتتعلَّمُ المُكابرة والمُغالبة،
وتُعلِّمُ الصبر والمقاومة، ولن يستقيم الأمر إلا بعودة المياه إلى مجاريها،
والأسرة إلى لُحْمَتِها وتفانيها.
لذلك فليعمل
الناصحون، وبه فلْيهْتدِ المستنيرون المُنْتصِحُون.