عبدالإله التهامي الوزاني/ مركز بواحمد إقليم شفشاون
تطل علينا منذ
أعوام ذكرى مؤسفة، تتجلى في هدم معلمة تاريخية، التي بالكاد قمت شخصيا بالتقاط
صور لبعض مرافقها وزواياها، صور لم ينشر لها مثيل من قبل ولا يوجد نظيرها
أومعلومات مفصلة عنها-الإقامة- سوى في الأرشيف الإسباني وفي بعض الخزانات الخاصة
مثل خزانة البحاثة المؤرخ محمد ابن عزوز حكيم، وأرشيف الدولة المغربية الرسمي في
الرباط.
في هذه الإقامة
الخاصة جدا ذات الطابع المعماري الإسباني الأندلسي الخالص، دبرت مخططات المستعمر،
وقد أسسها المستعمر الإسباني غداة "نجاح" تحالف القوتين الاستعماريتين
"فرنسا وإسبانيا" في وأد الثورة الجهادية الريفية الغمارية، وإرغام
قائدها الخطابي على الاستسلام، وضع إثره
المجاهدون في كل الرباطات والقلاع الجهادية بغمارة سلاحهم، ووضع مجاهدو
بواحمد السلاح أيضا في موضع يسمى "ظهار سيدي أكحل العيون"، ثم تسنى
للمستعمر اقتحام البلدة فنزل أولا بمكان أسفل بواحمد يدعى "الغروس" الذي
هو عبارة عن بساتين من البرتقال والفواكه والخضر، وبعد مفاوضات شاقة مع رموز
الزاوية تم الاتفاق على احترام عادات أهل البلدة،
وعدم التدخل في الشأن الداخلي للزاوية وأهاليها، وعدم الاعتداء على ساكنة
المنطقة وعدم سلب ممتلكاتهم وأمتعتهم، واحترام عقيدتهم واحترام دينهم وشعائرهم،
وعدم منعهم من تنظيم والاحتفاء بمناسباتهم الدينية وطقوسهم وتقاليدهم وأعرافهم ،
وكذلك كان، ودخلوا بعد ذلك إلى المكان
المسمى بلغتهم "الكوارتيل والفيسينا"، حيث أسسوا حيا إداريا وعسكريا
يسهر على تدبير شؤون الساكنة وفق -المخطط الاستعماري-.
فتم بناء
الإقامة وغيرها فوق أرض أهالي زاوية بواحمد
رغم ما أبداه شيوخ البلدة وأعيانها من ممانعة وشجب واستنكار ورغم ما ابلوا
به من بلاء حسن دفاعا عن حرماتهم وبلدتهم وتم بسبب تلك الممانعة تعذيب وقتل كثير من الشرفاء منذ نزول المستعمر إلى
الشاطئ من سفنه الحربية، بسبب مقاومتهم
لوجود المستعمر على أراضيهم، إلى أن استوطنوا بواحمد واستعمروها كما أسلفنا
ملتزمين بالشروط المذكورة.
ونظرا لأهميتها
ولموقعها الاستراتيجي اعتبرت الإقامة معقلا رئيسيا لاجتماعات كبراء الجيش الإسباني
الممثلين لكل مناطق وجودهم بغمارة ومنها كل النقط الساحلية انطلاقا من الجبهة
ووصولا إلا وادلاو ، حيث كان المقيم العام والسيد "المراقب"
والمسؤولون الإسبان يعقدون فيها اجتماعاتهم الرسمية إبان الفترة الاستعمارية،
وبجوار هذه الإقامة ازداد جيل كامل من أبناء المستعمر، برز منهم مولود أصبح في
العقود الأخيرة جنرالا في الجيش الإسباني بمدينة مدريد، والطريف في الأمر أن هذا
الشخص زار مسقط رأسه -بواحمد- مصحوبا بألبوم من الصور النادرة التي التقطت لبواحمد
وللمنطقة زمن الاستعمار وأهداها لمسؤول -أول- بقصد أن يحتفظ بها في أرشيف الإدارة
إلا أن مصيرها ظل مجهولا، بل ولما سألنا عنها قيل لنا أن المسؤول المذكور جمعها
وكأنها ملكه الخاص، مثلما جمع أغراضه لما غادر بواحمد.
وصممت
هذه الإقامة على نمط إسباني أندلسي بلمسات مغربية بديعة جدا -انظر الصور-، شارك في
بنائها بناؤون غماريون، وتحتوي الإقامة على مرافق متعددة، تتوسطها قاعة واسعة جدا
خاصة بالاجتماعات، ومدفأة وحمامات، ورياض
شاسع تحيط به أشجار "الدالية" من شتى أنواع العنب الممتاز، وأشجار "التوت" الأبيض والأحمر، و
تزينه أزيد من 17 نوع من النباتات الموردة والمزهرة، يتوسطه مدفع حربي مصوب في اتجاه البحر الأبيض المتوسط، ومحلات
تأوي الحمام والطيور، وبجوارها إسطبل معد خصيصا للخيول الرفيعة المدربة ولسروجها،
وبيوت خصصت للكلاب التي ترافق الجنود. وبني في نفس المحيط سجن شهد أفظع حالات
تعذيب وقتل في حق المجاهدين الغماريين، وأسس
أسفل القرية سوق يومي ممتاز عام
1952.
يذكر أن الإقامة
تم هدمها دون تقدير أهميتها الاستراتيجية
وبدافع غير مقبول خاصة وأن جمعية محلية تهتم بالتراث قامت بمراسلة السيد عامل
الإقليم -نتوفر على نسخة من المراسلة- تلتمس فيها من الأخير، أن تصبح هذه الإقامة
متحفا أو دارا للثقافة تختص بجمع القطع
الأثرية والتراثية و تتضمن خزانة عامة. فأعطيت في غفلة من الأهالي والمجتمع المدني
ومجلس الجماعة الترابية لبني بني بوزرة -أعطيت في غفلة من الجميع- الأوامر بالهدم
الكلي للبناية مباشرة بعد مراسلة السيد العامل للسيد رئيس الجمعية المذكورة برسالة
جوابية يخبره فيها بأنه ليس ممكنا أن يتم
تحويل الإقامة إلى ما ذكر في مراسلة الجمعية.
وبضربة معول
محيت من الذاكرة الجماعية للأهالي معلمة من المعالم، وضاعت على المنطقة فرصة
الاستفادة من شاهد على العصر، كان
بالإمكان استثمارها استثمارا متعدد الاتجاهات والأبعاد في سبيل تنمية محلية إنسانية شامل.