بقلم الاستاذ حميد طولست
لم تكن احتجاجات الشيوخ والفقهاء
والدعاة والرقاة والحجامة - كما يبدو من الوهلة الأولى- دفاعا عن جنة الله التي
أعدها لعباده الصالحين ، التي يعلمون علم اليقين أن دخولها لا يكون بصلاة ولا
بصيامه ولا حتى بحجه وزكاته ، وإنما هي مرهونة بفضل الله ورحمته التي وسعت كل شيء
، بدليل قوله سبحانه وتعالى:" لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ
وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " وقوله صلى الله عليه وسلم :"لَنْ يُدْخِلَ
أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ". قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ لَا، وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ
وَرَحْمَة" ، وإنما كانت احتجاجاتهم من أجل قطع الطريق أمام كل المشتغلين
بالفكر والحرف ،وإسكات أصوات والتنويريين الداعين للتخلص من قبضة خرافات وأساطير
رجال الدين الذين فند الدكتور "الفايد"-الذي كان إلى الأمس القريب ، أحد
أشرس مسانديهم في هديهم وظلامهم ، فهداه الله سبيله المستقيم، وخرج عن طوعهم-
ادعاءهم بعدم دخول غير المسلم الجنة - التي يوهمون الناس بتملك مفاتيحها - حتى لو
كانوا من الذين قدموا للبشرية ما ينفعها ، من المخترعين الذين أفادوا البشرية
بمخترعاتهم ، التصريح /الزلزل الذي دفع
بـ"رجال الدين" لتجييش كل مرهبات قوى التخلف ، من الأتباع المغيبين
ومساعديهم المرابطين في المساجد والجمعيات الخيرية الإسلاموية والتي لا تجمع بينها
إلا الراديكالية الدينية المتغلغلة في كل ركن من البلاد ،المعطلة لحركة التحرر
والحرية في الوطن العربي و تراجع اللائكية فيه ، وتمكين سيطرة النزعة اللاهوتية ،
وتأبيد الظلامية الأصولية المدثرة برداء الإسلام السياسي، الممهد لدولة الخلافة
، الحلم الأزلي المكبوت ، الذي يسقطون على
مفاهيمه المتخلفة ، مفاهيم الواقع الجديد
، وتحويله في غفلة من العقل النقدي، إلى مسلمة وبديهة تداع في الشارع والمدرسة
ووسائل الإعلام ، من خلال سلاسل طويلة ومعقدة من المناورات السياسية
والأيديولوجيات الدينية ، التي تُنتخب لها بعض آيات القرآن وحفنة من الأحاديث
النبوية لتضليل الرأي العام وتهيئته لقبولها كنظام حداثوي ، يعيش في عصرين
متباعدين ، أو حداثة إسلاموية يتمدن خلالها الجسد ويبقى العقل في معزل عن التمدن
والحضارة ، لا يجرؤ على تعقل الواقع ، ولا يستطيع انتقاد الخرافات والأساطير التي
تعشش في مجتمعه وتراثه الديني على وجه الخصوص ، الذي يتحول ،بوعي أو دون وعي ، إلى
سند ثقافي وإعلامي للظلامية التي يتحكم فيها الأموات في الأحياء ويجعلونهم لا يرون
الانحطاط الذي لم تُعرف له نسخة أشد حزنا ولا أكثر مسخا مما عرفته في بلاد العرب،
التي يتوهم نخبها الإسلاموية أن التحضر
يأتي على قوارب الدين ، كما كنا ومازلنا نسمع بأن أوروبا مَدينة بحضارتها للعرب
المسلمين الذين نقلوا أممها من الوحشية إلى الإنسانية ،مادةً وعقلاً وأخلاقاً،
وعلموا شعوبها النصرانية حرية الفكر واستقامة الدين والتسامح في المعتقد أثمن صفات
الإنسان المتمثلة في، الطرح الذي إذا صح وكان العرب ، في أدوار الإسلام الأولى ،هم
أول من علم العالم الأخلاق ، وكانت المدنية الغربية الحديثة قد استنارت حقا بمعالم
المنهجية الإسلامية ،فقد كان من باب الأولى والواجب أن يستنير المسلمون بها نحو
طريق المعرفة ، ويكونوا أرقى أخلاقا من كل أمم الأرض ، بدل استسلامهم لهذا الوضع القبيح الذي وصل إليه
حالهم ، من انحطاط الواقع الذي على مدى فشل تلك الأسطورة التي هي جزء من لعبة كبرى
تديرها جماعات المشايخ والمتفقهين والدعاة ، الذين يستغلون الدين وأحكامه وشرائعه
في حروبهم ومعاركهم وغزواتهم وجرائمهم من أجل هيمنتهم على حياة الناس المادية
والاجتماعية ، وتحديد إدراك الناس الداخلي والخارجي وقولبته في إطار من القرابين
والأضاحي والإخلاص التام لهم، القولبة التي تعطي الإنسان انطباعًا بأن حياته
محكومة بهذه الكائنات التي لا تفرق بين الإسلام كدين وثقافة، وكطريقة من بين الطرق
الكثيرة المختلفة والمتنوعة للوصول للحق والحقيقة ، والتي لا يمكن التوقع مع
احكمها التراكم الكمي والنوعي في حياة البشر وتشكيل مصائرهم، إلا المزيد من
الأحوال الصعبة التي عمت كل المجالات الفكرية والنفسية و الاجتماعية والسياسية
والاقتصادية ، التي حولت المعانين منها إلى آلة خراب وتخريب خطيرة تمددت في كل
الأشياء وفي كافة الاتجاهات، بغية إشباع بعض الرغبات المكبوتة أو للتمويه عن
الإفلاس البين لبعض الذوات ، التي ما خفي منها أعظم.