adsense

/www.alqalamlhor.com

2023/04/24 - 12:25 ص

بقلم : عبد الإله الوزاني التهامي

ــ في ظل "تموقع" قوى هوياتية هادئة في الظل، متيقظة ومتوثبة، في شخص زوايا وحركات سياسية،  وفي ظل نمط حكم "وراثي مطلق"  يخزن كل السلط في يد واحدة،  لا مناص لنا من  خلاص كمغاربة سوى بالاجتماع على “الكلمة السواء” الجامعة، كصمام أمان لحاضر مستقر ولمستقبل مزهر.

كلنا أمل في غد مشرق ينبثق من رحم حاضر مخيف، فمخاض الوطن عسير وليس بالضرورة أن يولد مولود غير سوي، بفعل ذلك العسر في الولادة والمخاض، إن الشعب المغربي صبر بما فيه الكفاية على ما مورس من حيف في حقه منذ عقود، ولن يذهب صبره سدى دون ثمار ناضجة يانعة، نظير صبره وتحمله وحسن ظنه. لهذا لابد من تقارب واجتماع القوى المذكورة مع الحكم، وانكبابهم جميعا على مشروع مجتمعي واحد ومنهج حكم يأخذ فيه كل طرف موقعه المناسب، بذلك نبني وطنا قويا باستراتيجية مؤمنة.

نعيش كما شاءت الأقدار الإلهية أن نعيش مرحلة مفصلية من عمر أمة -مغربية وكونية- ذاع صيتها وأشرقت شمسها على بقاع شتى من العالم لفترات طويلة، ثم خمدت  لدوافع وأسباب، إذ تتسم الظرفية الحالية بتبلور الشروط الأولى المهيئة لتغيير حتمي، بدأت بوادره تلوح في الأفق مبشرة بعودة قوية للأمة -وطنيا وكونيا- إلى ساحة التدافع والتنافس على قيادة الإنسانية وريادتها. بعد سلسلة من الهزائم والخسائر والويلات والضياع بفعل "الاقتتال" الذاتي الداخلي، البارد والساخن.

هل هذا وهم أم حقيقة؟

آن الأوان لوقفة نقدية حقيقية، ومراجعة ذاتية خالصة نَجُبُّ بها ما فات، ونستشرف بها مستقبلا آتيا لا محالة، بخطوات ثابتة ومحسوبة بلا إقصاء  ولا استعلاء، متحررين من قيود إسقاطات الطهرانية والمثالية والتعقلن والتفلسف والتفرنج والتأمرك، المدمرة لأسس العمران الإنساني، والتي لم تؤد ولن تؤدي إلا إلى الانفصام والتشتت والرجعية والتبعية، لا فرق فيما بيننا  بين يساري أو يميني أو إسلامي أو مخزني أو (…).

لكن، على أية أرضية سيتحاور الفرقاء المتشاكسون أبناء الوطن الواحد، وأبناء الأمة الواحدة، إن تحاوروا؟ وسيتحاورون حتما.

يجب أن لا تغيب عن طالبي التغيير أن التدافع والتداول والتحاور، سنن كونية إنسانية اجتماعية، وضعها الله لبني الإنسان، لها قوانين محكمة لا تتبدل ولا تزول، وتنطبق على الفرد والجماعة، فالفرد مثلا يعيش في صراع دائم بين نوازع الشر ودوافع الخير، في تدافع ذاتي يتحدد بموجبه المصير بناء على حرية الاختيار، كذلك الجماعات البشرية.

فلا  تغر قابض على المقود سلطته المطلقة، إذ  لنا الثقة بأنه لا مناص لأصحاب الضمائر الحية وأولي الألباب في وطننا -وما أكثرهم-  من إبصار الواقع بطريقة علمية مركزة، ومراقبة وتتبع بنضج عال متغيراته المتسارعة، والفصل بين المصلحة الخاصة الضيقة وبين المصلحة العامة الشاملة، وعدم الدمج بين المبادئ والبرامج، وبين الوسائل والأهداف، وبين المثل المقدسة والاجتهادات النسبية، وعدم الجمع بين الممكن والمأمول، وإدراك ما تستوجبه الظرفية، كل ذلك تفاديا لأي نزيف أو خسائر يطال العباد والبلاد.

نعلم أنه في المغرب كل يغني على ليلاه، لكن ليلى لا تقر بحبها لأي أحد، إلا من أتى ببراهين صدق واضحة، براهين التضحية في سبيل الله، ومن أجل الشعب والوطن.

يقول البعض، مثلا، إننا جميعا مسلمون، ولا يحق لأي أحد احتكار النطق باسم الإسلام، وهذه كلمة حق، لكن أليس من حق مبادئ الإسلام نفسها أن تسائل كل من يدعي الانتماء إلى هذا الدين، عن مدى تطبيقه لها وتحليه بمثلها؟ أم أن الأمر لا مجال للمساءلة فيه ولا للمحاسبة، ثم أليس ادعاء الانتماء للإسلام قولا، مع اعتناق أفكار أخرى وممارسة نقيضه، هو لب العلمانية، الفاصل بين المعتقد والمعتمد، أليس هذا قمة في التناقض المنقص من قيمة الذات.

مراوغة وتحايل هذا لا شك ولف ودوران، إن لم تظهر على السطح براهين الصدق عمليا، وصور حية لشريعة سماوية محكمة في السلوك الفردي والحزبي والمجتمعي والدولتي، تكون مصدر قوة وفخر واعتزاز.

نأسف لما يقع فيه بعض المناضلين من وقاحة نتيجة تبلد حسهم وتخلف فكرهم، حينما يفرضون على الشعب "صيحات شاذة"، وحينما يتشبثون بأطروحات ملفقة بالية ميتة ميتة طبيعية، مجهدين قواهم في نفخ الأوهام في بضاعة كاسدة، واضعين رجلا سطحية هنا مع الآخذين محليا بزمام السلطة، ورجلا عميقة هناك مع "الماسكين بمصير العالم".

نشفق على وضعية "فلول" -أي بقايا-  متقاعدي الثورية التقدمة وأرامل الإيديولوجية الشيوعية العدمية البائرة، ومنبوذي النظرية الرأسمالية اللبرالية و يتامى الأفكار الشاذة، لما وصلوا إليه من أحوال "لا إنسانية".

لهذا فإنه بالرغم من  أن اللآئكية هي فصل للدين عن الدولة، ورغم أنها لصيقة للديمقراطية، والمسماة في عرف ممجديها، بالقديسة لائكية، فإن دعاتها ومن يخالفهم مدعوون للجلوس على مائدة الحوار، جنبا إلى جنب مع الوطنيين، والإسلاميين، والصوفيين، والسلفيين والشباب…، لأنه لا وقت للتأمل والانتظار، فالمرحلة التاريخية التي نعيشها، تعتبر مفصلية بكل المقاييس، لا تحتمل المزيد من الأخطاء القاتلة والتجارب المكرورة والاحتقان الموقوت، خاصة وأن ساحات وطننا ظلت لوقت طويل مختبرات تجارب، موادها وأدواتها فلذات أكبادنا، وثروات وطننا. تبتهج الأمة وتفرح باجتماع أبنائها وتكتلهم وفاء لملتها ولإنسانيتها.

من الحساسيات من ينحدر أصحابها من قاع المجتمع، جذورهم مغروسة في التاريخ منذ زهاء 15 قرنا، يريدونها أرضية بألفاظ مثل الشورى، والحق، والباطل، والمعروف والمنكر، والأولى والأخرى… إلخ. في الوقت الذي يريدها آخرون -رغم حداثة عمرهم- على أرضية لا تحيد عن ألفاظ الحداثة والعقلانية والعصرنة، والقديسة لائكية، وحق الفرد وحرية الفرد والحرية الشخصية، وغير ذلك من أرضيات.

ومن الناس أيضا من لا يسكنهم سوى هاجس الخوف على مصالحهم لا تهمهم سياسة ولا يهمهم فكر، فلهم مطالب مادية وجودية خاصة، يجب الإنصات إليها أيضا وعدم تهميشها، وآخرون لا هم لهم سوى الحفاظ على ما تحقق من “مكاسب” في مجال الحرية والتحرر، كممارسة الشهوة البهيمية والتمرغ في الملذات بلا حدود ولا قيود.

 كل له الحق والحرية في الإدلاء بما لديه على طاولة الحوار الجامعة لأطياف المجتمع مختلفة المشارب. فلا تفاضل بين زوايا ولا أحزاب ولا أعراق ولا ثقافات، الكل في حاجة للآخر قصد بناء دولة قوية بحكامها وبأطيافها وحساسياتها وقواها.

إذن فليحاول كل طرف حسب موقعه ولونه السياسي والثقافي، أن يجمع ويؤلف ويوحد ويقوي، وأن يبرهن عن قدرته على ضمان استقلال المغاربة وسيادتهم، وتوطيد وحدتهم، وشحذ عزائمهم، وتنوير عقولهم، وإغناء روحهم، وإشباع بطون ذراريهم، مع نكران الذات والتجرد من الأنا المثالية والملائكية.

إنه “لعمل جبار ومسؤولية عظمى” يتجسدان في الربط بين ماض وطيد وحاضر عنيد ومستقبل أكيد، يتطلبان التعجيل بالتنفيذ عمليا على الأرض، تفاديا لسقطة قلبية لا تبقي ولا تذر من يابس أو أخضر أو بشر.

نعم، مغرب جديد ممكن، في سياق التحولات الانقلابية العميقة التي يشهدها العالم، على مستوى موازين القوى الفارضة للأمر الواقع، وما القوة الحقة إلا للعمق التاريخي لكل حضارة ولكل ثقافة ولكل شعب.

بكل تأكيد ستجري رياحنا وفق ما ترتضيه سفينتنا، لما يظهر  الشعب تحمسه للالتفاف حول قوة وثق بها تنصفه وتعزه وترفع شأنه.