بقلم الأستاذ
حميد طولست
لا جدال في أن
الله سبحانه وتعالى شرع الصوم لمجاهدة النفس وتهذيبها وترويضها على مشاركة الآخرين
شعورهم ما يعيشونه من حرمان ، والعمل على إظهار التعاطف والتكافل والإتيان
بالأفعال والأقوال الفاضلة التي جبلت عليها النفوس الطيبة الرافضة لجميع المكروهات
والممنوعات والمحرمات التي من بينها ،إن لم يكن على رأسها جميعها ، ما يقوم به بكل
أسف بعضنا ، من تبرم من هذا الشهر الذي ينعتونه بالفضيل، وتحميله- دون وعي أو ربما
بقصد وترصد - كل تبعات انفعالاتهم وإخفاقاتهم وكسلهم وتقاعسهم وعصبيتهم وباقي
سلوكياتهم الهجينة الغير المبررة ، أو المبررة بشكل خاطئ بحجة الصيام ، الفريضة
التي نظمتها الشريعة حسب أخلاق وقوانين ألزمت الصائم بالامتثال لها احتراما للذوق
العام الذي يستدعي الحرص والحذر الشديدين من الوقوع في المهاترات والمشادات
الكلامية المثيرة للغضب خلال التسوق أو أثناء الازدحام المروري العادي والمعتادة ، بدل مجاهدة النفس والابتعاد
بها عن مواطن الزلل والوقوع في التجاوزات والمخالفات ، في نهارات أو ليالي هذا
الشهر الموصوف "برمضان كريم "، العبارة التي ألفنا تكرارها مند الصغر
وعلى مدى سنين ، دون التعامل معها بما يستوجبه ذلك الكرم من طاعات وصدقات وتلاوة
للقرآن ، وغيرها من العبادات الرمضانية الجالبة للأجر والثواب ، والتي لو تحدث
رمضان عنها وعن منظور أغلبية الناس لها وله ، لقال بكل أسف وحسرة : لقد حولتني
وإياها الجهالة الجهلاء ، من شهر الرحمة والغفران، شهر التسامح والسلام، شهر
المحبة التي لا تحتمل شروطاً ولا قوانين ، شهر كان ينتظرني العارفون بفضلي للجوء
لله بشوق ومناجاته بلهفة والتضرع له بصدق
، شهر تدفعهم لانتظاره الرغبة في التطهر من الضغائن والأحقاد ، والغرف من أوقات
بركاته واستجاباته للدعوات، نعم حولني الذين يعيشون ماديا في القرن الحادي
والعشرين وذهنيا في القرون الخوالي ، إلى مجرد طقس اجتماعي بدون دلالة روحية ، بعد
أن أفرغوني من محتواي الروحي الذي لا ينفصل عن بعدي المدني والأخلاقي، وجعلوا مني
شهرا تسيطر على أيامه التدين المظهري بكل الطقوس الكرنفالية ، التي من أهم
تجلياتها الإفراط في الاستهلاك – الذي لا أعتقد أنه من صفاتي ولا تعاليمي- الذي
يعمق الحيف والاستبعاد الاجتماعي لصالح من له القدرة على الإنفاق، ويشدد الإحساس
بالقهر والدونية لدى من لا يستطيع مواجهة عنف ذاك الاستهلاك الغير المبرر، الذي
يجعل من مجريات أيامي الثلاثين حِملاً ثقيلاً يُفقد المحرومين توازنهم ويغرقهم في
اغتراب شديد، ويجز بهم في فوضى تجعلهم هائمين على وجوههم لا يبحثون إلا عن الحرشة
والملاوي والبطبوط و لبريوات والكيش والشباكية وسلو ، ليملأوا بها البطون كأنهم
جياع مند عهد عاد ، ولا شك في أن "سيدنا رمضان" كما يحلوا للغالبية
تسميته سيضيف في ختام قوله : متى سيقطع
الناس مع الخرافات والأساطير التي تعشش في أذهانهم حول حقيقتي التراثية والدينية ،
ويغيروا هذه الفوضى المفهومية التي ينظرون بها لي ، والتي تنعكس على واقعهم المعاش
خلال أيامي .
وفي الختام
يسعدني بهذه المناسبة أن أهنئ المسلمين بالشهر الفضيل وأتمنى أن يكون هم والبشرية
جمعاء خلاله بألف خير وصحة وعافية وسلم وسلام .