عبدالإله الوزاني التهامي
العلامة عبداللطيف يؤم بالملك في
أول زيارة رسمية له للأقاليم الشمالية.
عرف المرحوم العلامة سيدي عبداللطيف بمشاركاته في إغناء
النقاش والحوار داخل الأوساط العلمية والفكرية والمثقفة، ومنها المجالس العلمية،
وإدلائه بكفاءة في تواضع تام بأفكار واقتراحات جديدة وجادة تهم مسألة الاجتهاد في
قضايا الإنسانية.
وفي مسألة الاجتهاد في قضايا الدين والدولة والمجتمع،
فقد ابتعد في كل محاولاته التجديدية عن المحاكاة والتقليد والإمعية أو إقصاء الآخر
أو إلغائه، أو التصادم غير العقلاني وغير العادل، مستنكفا عن الخوض فيما يثير
الفتن والتنازع.
وفي علاقته بالزاوية الوزانية اختاره في العقد الأخير
مئات الشرفاء الوزانيين على الصعيد الوطني ليكون "نقيبا" رسميا
"للأشراف الوزانيين"، إلا أنه رفض ذلك بتواضع نظرا لانشغالاته وكثرة
مهامه، واستمر رحمه الله عنصرا فاعلا ومكافحا في حقل "التصوف السني"
عامة، وفي إطار أنشطة ومسار الزاوية الوزانية خصوصا.
و أما في علاقته بربه، فكان له برنامج تربوي مكثف، أجمع
في هذا الباب كل من يعرفه وخاصة أهله وأقرباءه، أنه كان ورعا، كثير الصيام، كثير القيام، خشوعا في صلاته،
يمضي جل وقته ذاكرا لله تاليا لكتابه ومصليا على رسول الله صلى الله عليه و سلم،
تعلوه هيبة رهيبة وتغشاه سكينة سنية.
وكان يدعو الله بلا ملل لصالح الأمة راجيا منه سبحانه أن
يطهر مطعمه ومشربه من الحرام والشبهات.
ثم يقضي القسط الآخر من وقته عاكفا على القراءة والبحث
والتفكر و الاطلاع و الكتابة وله أرشيف خطي لبحوث كثيرة أنجزها، لم تر نور النشر
ولم تخضع للترتيب والتبويب بعد، نسأل الله تعالى أن يحفظها من التلف والضياع. ومن
الطرائف المشورة عنه والمتكررة، أنه كان يضع في حسبانه قبل الخروج من البيت أن
يتبضع أحيانا بعض حاجيات البيت بنفسه،
وعند عودته ينسى كل ذلك، ولا يجد نفسه إلا محملا برزمة من كتب، ولما يصل إلى
البيت، يتذكر ما كان قد قرر جلبه معه من
مواد.
وكان رحمه الله متحليا بالصفات الحميدة من تواضع وتسامح
وتناصح وإكرام .
وابتلي في آخر
عمره بمرض "مفاجئ و غامض الأسباب" ألم به وهو في أوج عطائه متقلدا
مسؤولية رئاسة المجلس العلمي بطنجة، الذي أسهم في إطاره في إغناء وإثراء الحقل
الديني من منظور وموقع منفتح وعالم بدرجة مجتهد من الطراز العالي، ندا للند ومن
موقع قوة بين كبار "علماء المغرب" الرسميين وغير الرسميين.
وعمل في هذا المجلس بصدق وتفان واجتهاد متمسكا في سلوكه
العام قولا وعملا وتنظيرا بما عرف به المغاربة من تعلق بالمذهب المالكي والعقيدة
الأشعرية والتصوف الجنيدي.
واختاره المولى عز و جل إلى جواره صبيحة يوم 28 محرم
1430 الموافق ل25 يناير 2009 بالمستشفى الدولي زيد بن سلطان بالرباط، وخلف رحمه
الله أبناء مهذبين ومتخلقين، من أم شريفة
النسب طيبة الأعراق .
وشيعت جنازة الفقيد العلامة سيدي عبداللطيف رحمه الله في موكب مهيب بعد
الصلاة عليه في مسجد الحسن الثاني بتطوان، وووري جثمانه الطاهر الثرى بحضور نخبة
من علية القوم و عامة الناس بزاوية أجداده مولاي محمد، جنب أخيه سيدي محمد العالم
الفاضل، بالطرانكات شارع عبد اللطيف المدوري بتطوان.
لقد حظي رحمه الله بتقدير خاص من طرف الملك الراحل الحسن
الثاني واستمر ذلك التقدير من طرف وارث الحكم الملك الشاب محمد السادس، وأم
به بمسجد الحسن الثاني بتطوان في أول جمعة
رسمية بعد اعتلائه العرش.
- الحديث عن "اغتيال" المشروع الاجتهادي للعلامة و رجل القانون المرحوم عبداللطيف الوزاني؟
أثار الموت الغامض للشريف المرحوم العلامة عبداللطيف الوزاني نقاشا واسعا
بين أوساط النخبة المثفة، في ظرفية تبلور النواة الأساسية الأولى للنخبة القيادية الجديدة التي ستحيط بالملك، فحواه احتمال تعرض العلامة لعملية تصفية، بواسطة
التسمم الذي يشتبه في أنه دس له في الطعام، أثناء وجبة أقيمت -كالعادة- على هامش
نشاط رسمي كبير، بحيث تناول الموضوع على أوسع نطاق، خاصة وأن العلامة ورجل القانون
شهد العالم كيف تم ضمه إلى "المربع الملكي" من طرف أوفياء للوطن في
ظرفية حساسة الحاجة فيها للنخبة النقية كالحاجة للدواء النادر، نظرا لما ظهر عليه
من دلائل وعلامات الكفاءة في مجالات تخصصه، مثل المحاماة ورئاسة المجلس العلمي
ومجال العلم والفكر والعلاقات الدولية، التي كان له فيها الشأن الكبير، فضلا عن
إتقانه للغات حية عالمية تزيد عن ال5 و إتقانه للغة العربية إتقانا كبيرا جدا،
وامتداد علاقاته العمودية والأفقية على مستوى دول العالم العربي والإسلامي
والعالمي.
تناولت ألسن عدة فرضية تعرض الشريف المرحوم لعملية تسمم
حيكت له بدهاء، حتى لا يصل إلى دواليب منصب حساس في المربع الملكي، لأن الذي يزيد
من خطورة وجوده في المكان المذكور، إسمه وذكاؤه وسيرته، الصفات التي يعاديها
"خصوم النقاء و الجدية و الصدق"، المكون من لوبيات الفساد و الإفساد،
المتغلغلة في دواليب كل مؤسسة رسمية "سيادية"، في أية دولة، التي تخشى
وتتضايق من أمثال سيدي عبداللطيف الوزاني الحامل لرسالة اجتهادية تغييرية هادفة.
مرت سنين على "اغتيال" هذا الرجل العظيم ومعه مشررعه التجديدي، ولم تتحرك لا الآلة
الإعلامية ولا الحقوقية، لتسليط الضوء أكثر على سيرته العظيمة وعلى مشروعه العلمي
والفكري المتميز، الذي لم يكتب له أن يرى النور، وبقينا وبقت الدولة تجتر عملية
طحن الماء والقبض على الهواء، سواء في سياسات الشؤون الإسلامية و
"إصلاحاتها" في ظل هيمنة
"وزير وحيد"، أو في السياسات الخارجية أو في مجال القضاء والقانون،
الميادين التي كان فيها المرحوم علما مبرزا يشهد له الخصم قبل الصديق بتفوقه
واجتهاده النوعي فيها.
ليطرح السؤال الأكثر عمقا، ليس فقط من "اغتال"
الشريف عبداللطيف الوزاني، وإنما من اغتال مشروعه الاجتهادي النوعي، ولصالح من تم
ذلك !؟