بقلم امال عبد
الرسول
ملَك بمصلحة الطب
النووي
يقول جلال
الدين الرومي: " لقد كان قميص يوسف بشرى الوصال، حين أُلقِي على يعقوب، فلا
تجزع من جرحك وآلامك وأحزانك، وإلا كيف للنور أن يتسلل إلى باطنك". وبالفعل،
مهما اشتدت الآلام وتغلغلت في الكيان، لا بد أن نبحث في بواطننا على ذلك النور
الذي من شأنه أن يمنحنا الطاقة على الصبر والأمل في النجاة. لا بد أن نَعِيَ بأن
الموت سهم يُصَوَّبُ نحونا مع اللحظات الأولى لخروجنا من الرحم، وأن عمر الفرد منا
يمتد بقدر مدة " سفر " هذا السهم إليه.
إن كل فرد
منا، وهو يعبر معترك الحياة، يجتاز العديد من المحطات، وكل محطة إلا وتحبل بكثير
من العبر والدروس. منها نكتسب التجارب والخبرات والمهارات التي تعيننا على مواجهة
الحياة. والشقي الشقي من يبحث عن النقائص وينشغل بالسلبيات، والسعيد من ينقب، في
ذاته وفيما يحيط به، عما يبعث على الأمل والتفاؤل في كل شيء، عما يمنحه الطاقة
الإيجابية، حتى ولو تعلق الأمر بالسقم والمرض.
صحيح أن المرض
يبقى ابتلاء، لكنه يبقى فرصة للعودة إلى الذات وللتقرب من الله عز وجل، فرصة لتأمل
أدائنا في هذه الحياة وإعادة النظر في العديد من التصرفات والمواقف التي كنا
نخالها صائبة. إن حقيقة شخصية المرء تتحدد، في نهاية المطاف، بالكيفية التي نواجه
بها دروب الحياة، بحلوها ومرها.
بالنسبة لي،
شكلت هذه المحن اللامتناهية مع المرض فرصة لمراجعة علاقتي مع نفسي ومع الآخرين، مع
المرض اكتشفت وجود أناس في غاية الروعة واللطف والمحبة، قادهم القدر نحوي، ربما
كمكافأة لي، عن إيماني بالله، عز وجل، وثقتي في قدرته. لقد أكرمني الله "
بجنود الرحمان " وعبر كل المحطات التي مررت عبرها في رحلة مواجهة الداء. فلهم
جميعا، أجدد التقدير والامتنان. و" من لا يشكر الناس، لا يشكر الله"،
كما جاء في الحديث الشريف.
أعود، بعد هذه
الخواطر، إلى مواصلة الحديث عن رحلة مواجهة المرض، لأشير إلى أنه، وبعد انصرام
قرابة شهر على أخذي للأشعة، كان لزاما عليَّ زيارة المستشفى للخضوع للفحص
والمتابعة. وككل مرة، أكتوي بلهيب الانتظارات ومسلسل الإجراءات التي لا تنقطع
والتي لا بد منها عند كل مراقبة أو كشف. ولن أنسى أبدا، بهذا الخصوص، إحدى الأخوات
الفضليات التي كانت تشفق لحالي، وتدلل أمام تعقيدات الولوج إلى الطبيب. كانت مثالا
في حسن الخلق والصفاء. كنت أعاين كيف تبادر، في لطف وبشاشة، إلى القيام بالواجب
وتقديم المساعدة إلى المرضى. يتعلق الأمر بالأخت فتيحة التي أتوجه إليها بالشكر
والتقدير على جميل معروفها ،حفظها ربي،من كل سوء هي ووالدتها العظيمة.
إثر آخر
مراقبة بعد الأشعة خضعت لها، دعتني الدكتورة سكينة، حفظها ربي، إلى إجراء سكانير،
يكون الهدف منه، الكشف مدى تأثر العظام بهذا المرض. ومرة أخرى سأجد نفسي أخوض غمار
تجربة جديدة مع نوع آخر من الأشعة واسمه scientifi osseusse . والمثير أن الاستفادة منه
استلزمت إجراءات تهد الحيل. فقد توجهت إلى مصلحة الطب النووي لأقدم الوثائق
المطلوبة للخضوع لهذا الكشف، ومرة أخرى وبفضل الله سأصادف إنسانة طيبة رقيقة،
تعاطفت معي وبكت من هول ما عانيته وما أزال. أحست بما يسكنني من أسقام وآلام تهد
الجبال، فكيف يكون الحال بالنسبة لكائن ضعيف مثلي، لاحول لها ولا قوة إلا إيمانها
ويقينها في خالقها. أخذت مني الوثائق المطلوبة وعلامات التأثر بادية على محياها.
علمت من بعد أنها عاشت تجربة مع إحدى قريباتها التي عانت من السرطان، وهذا ما يفسر
تأثرها. إنها الصديقة العزيزة خديجة
المتميزة بالعفوية والصراحة والوضوح والتفهم. كل من يقبل على تلك المصلحة إلا وتهب
لمساعدته بل كثيرا ما كانت تقطع إجازتها، فتهب للوقوف إلى جانبي، كلما استلزمت
حالتي الإقبال على المصلحة حيث تشتغل. لن أنسى أبدا وقفتها معي حين تعرضت أختي
أسماء لوعكة صحية شديدة ،فلها مني كل التقدير والاحترام ولعائلتها الكريمة.
تجدر الإشارة
إلى أنه، وقبل الخضوع إلى هذا النوع من السكانير، كان من اللازم أن أحقن في الوريد
وانتظار ساعتين كي أعرض على السكانير. بطبيعة الحال، كان يسكنني الأمل بأن تكون
حالة عظامي، على الرغم من كل الشدائد التي مررت بها، سليمة أو على الأقل، تبعث على
الاطمئنان والأمل في أن تكون الآلام التي ما تزال رفيقتي هي فقط من تبعات ما خضعت
له من أشعة وتدخلات طبية.
فيا واحدا في
ملكه ماله ثان! يا من إذا قلت يا مولاي لباني، أعصاك تسترني، أنساك تذكرني. فكيف
أنساك يا من لست تنساني. أنا بكيت، فلا أُلام على البكاء، انا لا أضام وفي حماك
عصمتي.
يتبع ..