عبدالإله الوزاني
التهامي
أنعم الله على
مغربنا الحبيب وعلى شماله خاصة بنعم استثنائية، منها المادي ومنها المعنوي ومنها
الرمزي، منها ما يتعلق بما أنجبته -المنطقة- من رجالات و أعلام أغنوا الساحة
الفكرية والسياسية والعلمية، بما يستحيل الحصول عليه، ويصعب التوفر عليه، وخاصة في ميادين ومجالات المعرفة
والتصوف والجهاد، حيث برز منهم من تحرر من أثقال القيود الرسمية وترفع عن عطايا
وهدايا الغير.
وكان لمدينة طنجة
-بعد قبيلة غمارة- حصة الأسد من هذه الميزات والاستثناءات، حيث أخرجت من رحمها من
مثلوا المغرب والمسلمين قاطبة في المحافل العالمية خير تمثيل، رافعين بذلك رأس
بلادهم عاليا بين الأمم.
ومن هؤلاء الأفذاذ
يبرز إسم العلامة الحافظ ذو الأسرار، الفقيه عبدالله بن الصديق الغماري الطنجي، الذي اصطفاه الله تعالى ليقوم
بمهمة سفير شعبي غير رسمي بالديار المصرية، التي بدورها أكرمته -شعبيا ونخبويا-
خير تكريم، وأنزلته منزلة تليق بمقامه عرفانا منها بجميله وجليله.
ازداد بطنجة عام
1910م، وينحدر من عائلة آل بن الصديق،
الإدريسية الشريفة.
ونشأ في كنف والده
الإمام العالم السيد محمد بن الصديق المشهور بغزارة علمه وبصلاحه وجهاده.
وينحدر أصل هذا
النسب الشريف من قرية بغمارة تسمى "تجكان" المنصورية، التابعة ترابيا
لإقليم شفشاون، ولهذا يطلق عليهم لقب "التجكانيين" نسبة إلى بلدهم
الأصلي.
هو الإمام عبد الله بن محمد بن الصديق بن أحمد بن قاسم
الغماري الحسني الإدريسي الطنجي.
مدرسته الأولى
هي الزاوية الصديقية درس فيها على يد
الفقيه محمد البراق الأنجري، والفقيه محمد الأندلسي المصوري، ثم تلقى العلوم
الشرعية واللغوية على يد أخيه أحمد بن الصديق، وعلى يد خاله أحمد بن عجيبة أيضا، تلا ذلك رحلته إلى
القرويين بفاس عام 1924م لمتابعة تعليمه
الشامل، فتلقن علوما عن الشيخ أحمد القادري، وشيخ الجماعة عبد الله الفضيلي،
والشيخ الحسين العراقي، و(...).
ومما درسه من علوم هناك، العربية والفقه المالكي وعلم الفرائض والتوحيد
والمنطق، فعاد إلى مسقط رأسه طنجة سنة
1927م، فدرسه والده الشيخ محمد بن الصديق
علوما كالنحو والبلاغة والفقه ..
وبعد أن أكمل سيدي
عبدالله حفظ القرآن الكريم وبعض المتون، توجه إلى فاس لطلب العلم بجامعة القرويين،
ثم عاد إلى طنجة بعد ستة أشهر، فبقي بها مدة عام أو أكثر، عاد بعدها إلى فاس
ثانية، حيث تلقى في مجالسها دروسا كثيرة ومتنوعة على يد علماء كبار أمثال سيدي
محمد بن جعفر الكتاني، والشيخ محمد بن الحاج السلمي، والقاضي العباس ابن أبي بكر
بناني، والشيخ فتح الله بناني، والشيخ الراضي السناني، والمحدث السيد عبدالحي
الكتاني ..وغيرهم.
وكانت عودته بعد زمن
من المجاهدة في تحصيل العلم إلى طنجة العروس، بداية شروعه في التدريس، كما شرع
أيضا في الكتابة والتأليف، برعاية وتوجيه من أبيه.
ولما انتقل إلى الأزهر
بمصر عام 1930م لذات الغرض، وفق ما نشر
بموقع "الطريقة الصديقية الشاذلية" وغيره من مصادر، عاصر علماء مرموقين
أمثال العلامة أحمد بن رافع الطهطاوي، والعلامة محمد الخضر بن حسين التونسي،
والعلامة محمد بخيت المطيعي، والعلامة محمد السقا، والشيخ محمد بن حسنين مخلوف،
ولما انتقل إلى هذا الجامع العظيم وبين هؤلاء القامات نال شهادة العالمية الخاصة
بالغرباء، عام 1933م، وعلى الشهادة
العالمية الأزهرية عام 1942م، وتعددت نشاطاته العلمية بمصر، إلى أن رجع إلى المغرب
عام 1390هـ/1970م، خاض امتحانات شهادة العالمية الأزهرية المذكورة، فحصل عليها
بامتياز، وهذه الشهادة تساوي وتوازي شهادة الدكتوراه اليوم.
قال في حقه بهذا
الصدد الشيخ الكبير محمود شلتوت، مهنئا إياه:
"نحن نهنئ
الأزهر والشهادة الأزهرية بأخذ الشيخ عبدالله لها"، أي أن الشهادة الكبرى هي
شخص سيدي عبدالله، والأزهر الشريف، حيث شرع في التدريس تطوعيا في سبيل الله وحسبته
لله تعالى، فحج لمجالسه الطلبة من مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي.
وفي الوقت نفسه كان
منشغلا بالتأليف في شتى العلوم والمعارف.
كما زخرت المجلات
والصحف المصرية بالعديد من مقالاته العلمية في أكثر من مجال، كمجلة الإرشاد، ومجلة
هدى الإسلام، ومجلة الرابطة الإسلامية، والشرق العربي، والمسلم، وغيرها.
ولم تكد تخلو مجلة
من المجلات التي كانت تصدر وقتئذ من مقالة أو أكثر من مقالاته.
وكان لهذه المقالات
دوي كبير ووقع بليغ في الأوساط العلمية والثقافية، لما تحتويه من ندرة في الموضوع
وبلاغة في البيان ومن رصانة في التحليل، ومن اجتهادات متمردة على الركود والجمود،
تدل على رسوخ صاحبنا في العلم وسعة اطلاعه وتبحره في عوالمه.
واهتم سيدي عبدالله
كذلك بالعكوف على المخطوطات ذات القيمة العلمية والتاريخية، ونشر الكثير منها بعد
قيامه بمراجعتها، وتمحيصها والتعليق عليها.
وبعامل تعلقه بالعلم
ورجالاته، ربطته الصلة بكافة الأطياف المصرية، من إسلاميين وغيرهم، وعلى رأسها
جماعة الشهيد الإمام حسن البنا.
وكانت تربطه بهذا
الإمام الشهيد علاقة طيبة مبنية على آصرة الأخوة والولاء والإخلاص والمودة، ونفس
العلاقة نسجها مع كبار العلماء والمثقفين بدولة مصر.
- يتبع..