adsense

/www.alqalamlhor.com

2023/03/03 - 11:32 ص

عبدالإله الوزاني التهامي

"إصرار الطالب أعراب على تحصيل العلم بتميز يؤهله للتدريس وانتقاد الظواهر المشينة"

رحل طالبنا سعيد أعراب إلى تطوان الآمنة سنة 1941، وذالك في عهدها الثقافي والعلمي الزاهر، بما كانت تشتمل عليه من مدارس ومعاهد -حكومية و حرة-  فريدة على الصعيد الوطني، إضافة إلى الدروس التي كانت تلقى بشكل تطوعي في ساحات الجوامع و المساجد و البيوتات.

اجتاز سعيد أعراب مباراة المعهد الديني، سجل على إثرها بالسنة الأولى من التعليم الثانوي،إلا أن الدروس التي تلقى في هذا القسم/المستوى، لم ترق صاحبنا، نظرا ﻷن تكوينه فاقها بكثير بفضل ما حصل عليه في البادية

الغمارية وغيرها من دروس، فقرر مقاطعتها.

وعندما خلف الفقيه بلقات العلامة الصوفي الأديب التهامي الوزاني على إدارة المعهد المذكور، استدعى الأول سعيد أعراب وقال له موبخا :"لماذا لا تحضر دروسك وأنت مسجل بالسنة الأولى؟"، فرد عليه الطالب بجرأة: "إنني لا أستفيد منها .. وفي استطاعتي أن أجتاز الامتحان فيها الآن، وكذلك بالنسبة للسنة الثانية"، فأمر الفقيه -المدير-  بلقات موظفيه بتسجيله في السنة الثالثة، شاهدا بقوله: "دعوه إنه طالب جيد". فسجلت -يقول سعيد  أعراب في حواره مع الطالب مصطفى الراضي الوارد في بحثه- سجلت- في الثالثة من يومه يومئذ". ص19- 1987/1/3.

وهكذا استمر الطالب الجديد في دراسته محتلا الصف الأول يتقدم زملاءه.

وكان أبرز شيوخه في هذا المعهد الفقيه العربي اللوه والفقيه أحمد بن تاويت ومحمد التجكاني ومحمد الفحصي وعبدالرحمن الأزمي وعبد السلام بلقات والفقيه القاسمي وغيرهم من الأجلاء.

نسأل الله تعالى أن يوفق المهتمين بتاريخ وحضارة تطاون لإعداد ترجمة تعرف بهؤلاء الرجال، تعميما للفائدة وتنويرا للرأي العام.

تفوق سعيد  أعراب في امتحان الشهادة الثانوية وفضل متابعة دراسته بجوامع ومساجد تطاون كطالب حر، فجلس مجالس الشيخ أحمد الزواقي قاضي الناحية، ومجالس شيخ الجماعة بالزاوية الريسونية بتطوان، حيث درس عليه مختصر خليل بشرحي الخرشي والزرقاني، وكان يحضر أيضا درس الشيخ أبو محمد الفرطاخ في كتاب صحيح البخاري بشرح القسطلاني، بفناء جامع للافريجة بالسويقة بتطوان، لمدة عام كامل.

إن إصرار الطالب البدوي (سعيد) على تحصيل العلم، جعله لا يتوانى ولا يتخلف، مما أهله إلى الالتحاق بالمعهد العالي. وكان يلقي الدروس بهذا المعهد مجموعة من الأساتذة الأكفاء، الذين يتولون مناصب إدارية وشرعية مهمة،  كالشيخ المرير رئيس محكمة الاستئناف الذي كان يلقي الدروس الخاصة بالتفسير  -(آيات الأحكام من خلال كتاب: "الأحكام الكبرى" للقاضي أبي بكر بن العربي).

وأما الفقيه محمد الفرطاخ فكان يلقي دروسا في علوم الحديث، وأما الفقيه اللبادي الذي كان يشغل منصب قاضي البلد، فكان مختصا في المسطرة   الشرعية، وكانت له طريقة منهجية عجيبة في التدريس، مفادها أن يطرح  قضية من القضايا الفقهية، فيجري فيها المسطرة القضائية من المقال إلى الجواب إلى صدور الحكم، وهي أيضا تفيد الطالب في صناعة التوثيق.

ويرجع الفضل للبادي في إتقان هذا الفن بسبب طول خبرته في ميدان القضاء، مما جعل الطلبة يقبلون على دروسه بروح ومعنويات عالية.

وفيما يخص الأدب، فقد انفرد به الأستاذ الكبير عبدالله كنون، إذ كان يدرسهم كتاب "الأمالي" لأبي علي القالي، وكتاب "العمدة" في صناعة الشعر ونقده لابن رشيق، كما كان يشجع الطلبة على الإبداع  في هذا الفن ويمتحنهم في ذلك.

في هذه المرحلة أدخلت مواد جديدة على مناهج المعهد، منها "التربية وطرق التدريس"، التي كان يتولى إلقاءها على الطلبة الأستاذ عزيمان.

ونظرا لحصوله المستمر على المرتبة الأولى في كل الامتحانات الدورية، استطاع سعيد أعراب أن يلفت إليه نظر أساتذة وأطر المعهد، مما جعل شيخ المعهد يختاره لإلقاء دروس في أقسام المعهد الديني،  وخاصة عند تعذر   بعض الأساتذة، فجمع بذلك بين التعليم والتعلم.

شارك سعيد أعراب بقلمه ولسانه في الأنشطة الثقافية والفكرية التي كانت تنظم بمقر المعهد بالمصلى القديمة،

وساهم في المجلة الخطية التي عنونها الطلبة ب "مرآة الفكر".

و احتفاء بعيد الكتاب، أجريت مباراة بين الطلبة حول موضوع "فضل العلم و الكتاب"،حصل فيها الطالب البدوي الغماري -سعيد أعراب- على جائزة مهمة، زادته حماسة إلى حماسته الأولى، تسلمها بقاعة نيابة التعليم في غمرة حفل أقيم لذلك.

و في ميدان الشعر، نظم الطالب سعيد أعراب قصيدة مرتجلة يندد فيها بدكان فتح لبيع الخمر قرب باب المعهد بالملاح البالي، قرب الجامع الكبير جاء فيها:

* فذي دور لنا تكرى لخمر   وأخرى للزنا و هوى السماع

وأخرى ثم أخرى وفي ضلال   ولا أحد يقوم إلى الدفاع

أمن جبن سكوتكم وذل   أم الأهوا تقود لذا الخداع

                     *

*فهذا بيت خمر في جوار   لمعهدنا معد للرعاع

يراه شيوخنا وهمو رؤوس   فهل أحد تكلم في اجتماع

و قال بأن ذا فسق حرام   مضر في الجوار بلا انتفاع

     

*شباب الدين هل فيكم غيور   على حرم تهان بابتداع

أما و الله إن الدين عز   لمن والاه حقا باتباع.

من خلال هذه الأبيات، نلامس قوة شخصية الطالب سعيد أعراب و غيرته على الدين، وقدرته على مخاطبة الشيوخ والعلماء، بما يصلح الشأن العام، وما يحرض على إيقاف كل ما من شأنه أن يعكر صفو مدينة تطوان العامرة، قبل شيوع الفاحشة ودوس الحرمات.