عبدالإله
الوزاني التهامي
المغرب الجديد
واقتسام الحكم بين شيخ شريف سليل العائلة الوزانية و حاكم شريف سليل الدوحة
العلوية
- من رحم هذا
المخاض المصيري الخطير، سيشرق على المغرب نور مولانا عبدالله الشريف، حاملا راية
الولاية الروحية، جعل من عقبات الواقع المرير طريقا ذليلا فتح أمام عامة الناس
آفاقا رحيبة وآمالا رحيمة، فذاع صيته وعلا شأنه وازدادت هيبته، بفعل ملامسته
لمعاناة الناس المادية وتلبيته لرغباتهم الفطرية على اختلاف شرائحهم.
ورغم تكاثر
الزوايا والمتصوفة في هذه الفترة، إلا أن وجود زاوية "دار الضمانة
الوزانية" المؤسسة على تقوى من الله من أول يوم على يد مولاي عبدالله الشريف
كما هو معلوم، مع التنويه بوجود زوايا خيرة في هذه الفترة، على رأسها الزاوية
الدلائية، والزاوية الشرقاوية، والزاوية السملالية، والزاوية العياشية، والزاوية
العبلاوية، والزاوية الناصرية، والزاوية
الفاسية، والزاوية الناصرية.
تصدت كل هذه
الزوايا للتربية والسلوك ونشر العلم والفكر بين الناس، بعد خفوت ملحوظ للمؤسسات
العلمية التي كانت قائمة.
وبالرغم من أن
الأشراف الوزانيين -وفق ما أكدته بعض الدراسات الاستعمارية- كانوا مؤهلين لتولي
الخلافة بالمغرب عقب السعديين بحكم امتلاكهم لميزتين أساسيتين: النسب الشريف
والسند الصوفي.
إلا أن طبيعة
الشخصية الوزانية المتشبعة بقيم التسامح والمحبة والوفاء بالعهد والإيثار ونكران
الذات، ذللت سبل التقارب والتعايش الأخويين بين الأسرتين الشريفتين، الوزانية
والعلوية.
مما أفضى إلى
اقتسام السلطة بين العائلتين، بحيث انفرد الأشراف العلويون بالسلطة السياسية في
حين اختص الأشراف الوزانيون بالسلطة الروحية. -Eugene Aubin-، فشاعت قاعدة مفادها أن "السلطان هو السيف الذي يعاقب،
والشريف هو العكاز الذي يرشد"، في
إشارة إلى اختصاص العلويين بالحكم -ملك الرقاب-، وتولي الوزانيين مهمة
الإرشاد.* -Lhachmi benadi-.
من هو مولاي
عبدالله الشريف صاحب السر في تدبير المرحلة المصيرية رأس العارفين في زمنه
ازداد مولاي
عبدالله الشريف بقرية تازروت من حوز جبل العلم بتاريخ 1005ه/1596م، وفيها كبر
وترعرع وحفظ القرآن وتعلم أبجديات العلوم، ليكمل فيما بعد دراسته بمدينة تطوان ثم
فاس، إلى أن تبحر في العلم.
وأول من تعلم
على يديه وانتسب إليه في علوم القوم الصوفية، هو الشيخ سيدي علي بن أحمد الصرصري
اللنجري (ت1027ه/ 1618م)، وذلك بجبل صرصر معقل زاويته، ثم تتلمذ في نفس علم السلوك
على يد الشيخ محمد بن عطية السلوي الفاسي (ت1052ه/1642م)، بزاوية الرميلة بفاس،
ونوه الشيخ بن عطية بالشريف وأشهد أصحابه بأنه - مولاي عبدالله الشريف - رأس
العارفين في زمنه.
ونهل مولانا
عبدالله الشريف من مناهل فاس العلمية النفائس والدرر.
ومباشرة بعد
التحاق شيخه الصرصري بالرفيق الأعلى، ارتحل مولاي عبدالله الشريف نحو
"الكزروف" -شكرة- بقبيلة مصمودة، فدرس هنالك العلم لأعوام، حتى اشتهر
اسمه وارتفع علمه بفضل ما يلقنه من علم للعامة والخاصة، ووفد عليه الطلبة واتخذوه
شيخا لهم ومربيا، فقصده الخاص والعام من المغرب الأقصى والأدنى وبلاد السوس وبلاد
الصحراء والقبلة وصقع توات، وتاكررت، وصحراء المرابطين، وأطراف بلاد السودان
والنوبة.
ولم يشمل ميل
قلوب الناس اتجاه مولاي عبدالله الشريف العامة فحسب، بل مالت إليه قلوب علية القوم
وأكابر القبائل، وعلماء أفذاذ، فزاروه وأخذوا عنه الطريقة، وتتلمذوا على يديه جم غفير لا يحصى عددهم، فاستمدوا من أنواره
وسقوا من بحاره -حسب التحفة القادرية-، ومن هؤلاء المشاهير غزالي وقته أبو علي
الحسن بن مسعود اليوسي وغيره.
وعند انتقاله
إلى مدشر "المقال" قادما إليه من "شكرة"، كثر عليه الوراد،
وضاقت عليه البلاد، فدلته الأقدار الإلهية إلى التوجه نهائيا إلى وزان، فاستقر بها
وتوسع بسبب وجوده عمرانها وتوطدت حضارتها.
فقصده بزاويته
بوزان طلبة العلوم المختلفة، والراجين سلوك طريق التصوف، فانتصب مولاي عبدالله
الشريف لتأدية الأمانة العلمية والسلوكية على أحسن ما يرام، نشرا للعلم وتلقينا
لأصول الطريقة، بأسلوب العالم الخبير بطريقة التصوف، العارف الماهر بأحكام
التربية.
ومن ثمار
مسيرته وجهده بفضل الله، لم يتوفاه الأجل -حسب تحفة الإخوان- حتى ترك من الخلف
الصالح من الرجال العارفين بالله خمسمائة 500 واحد، كلهم يدلون على الله ويوصلون
إليه.
يتبع...